ما هي الخيارات الأردنية - الفلسطينية؟
نشطت الدبلوماسية الأردنية في الأسابيع القليلة الماضية بصورة ملحوظة، على صعيد القضية الفلسطينية، بداية من لقاء الملك عبد الله الثاني برئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في عمّان، ثم جولته الخارجية، وصولاً إلى واشنطن للقاء لجان الكونغرس الجديدة، ورئيس مجلس النواب هناك، ولاحقاً الرئيس الأميركي، جوزيف بايدن، نفسه. في قلب هذه الجهود، كان الموضوع الفلسطيني "دوامة العنف" في الأراضي المحتلة، وإصرار الحكومة اليمينية الإسرائيلية على تغيير الوضع التاريخي والقانوني في القدس والاعتداء على المقدّسات.
في الأثناء، كانت هنالك زيارة لافتة، لقيت تحليلات وتكهنات عديدة عربياً وعالمياً وحتى إسرائيلياً، لمديري المخابرات الأردنية والمصرية للسلطة الفلسطينية، واللقاء بالرئيس محمود عبّاس، وقد قيل عن أهداف الزيارة ومبرّراتها الكثير، ولم يرشح عنها أي معلومات تفصيلية موثوقة، وقد استخفّ مسؤولون أردنيون، تواصل معهم كاتب السطور، بتقارير إعلامية شهدت رواجاً عن اصطحاب مدير المخابرات المصري القيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، إلى رام الله، وعقد مصالحة بينه وبين عبّاس.
بعيداً عن التحليلات المختلفة، إعادة تعريف مصلحة الأردن في ما يحدث في الملف الفلسطيني اليوم مهمة، ولعلّ ما علينا أن ندركه جيداً أنّ "ساعة الحقيقة" قد ظهرت جلية، ولم يعد في الإمكان التحايل عليها، وهي أنّ "الإسرائيليين" لا يفكّرون في حلّ الدولتين، وأنّه انتهى إلى غير رجعة، كما أنّ الأميركيين لا يملكون على الطاولة غير "صفقة القرن"، وهي التي يتم تنفيذها اليوم عبر "الماكينات الإبراهيمية" وغيرها، وبالتالي عاجلاً أم آجلاً هنالك مخطّط إسرائيلي يمضي إلى الأمام بقوة، ولا يوجد أمامه أي حواجز أسمنتية ولا حتى خشبية تقف في وجهه!
يجادل مسؤولون أردنيون بأنّه لا يوجد أمامهم سوى التمسّك بحل الدولتين، طالما لا يوجد بديل آخر، وأنّ التخيير الأردني للإسرائيليين حقيقةً ليس بين ما يسمى "الحل الأردني" و"الكانتونات الفلسطينية"، بل بين الأخير و"حل الدولة الواحدة"، الذي قد يأتي بعبد الله أو أحمد أو عمر رئيساً لوزراء إسرائيل المقبل. لكن دعونا نعترف أنّ موازين القوى لا تؤشّر إلى إمكانية وضع إسرائيل أمام أحد الحلين الرئيسين السابقين؛ بل من الواضح أنّ السيناريو الإسرائيلي هو الأقوى، إلّا إذا تغيرت الموازين والشروط الواقعية.
هنا، تحديداً، نعود إلى ملف "لقاءات رام الله" لمعرفة فيما إذا كان المقصود والحل هو تقوية الأجهزة الأمنية الفلسطينية واستعادة الهدوء والتنسيق الأمني والقضاء على المقاومة الجديدة لجيل الشباب الفلسطيني، في نابلس وجنين وغيرهما، أم أنّ المصلحتين الفلسطينية والوطنية الأردنية على السواء هما في اجتراح أوراق و"كروت" قوة جديدة لمواجهة الصلف الإسرائيلي، بدلاً من إرسال التطمينات أو محاولة استعادة الهدوء والتهدئة.
لا أطرح، هنا، إجابات بل أسئلةً، وأناقش فرضيات مرتبطة بالمصالح المتشابكة الأردنية - الفلسطينية، فهنالك "فرضية أردنية" تقول إنّ العودة إلى التهدئة هي الخيار الأفضل للمصالح الأردنية، لأنّ انهيار السلطة الفلسطينية أو ضعضعتها سيضرّ بالأردن، وسيعطي "الكيان الإسرائيلي" ذرائع وفرصاً كبيرة للتدخّل العسكري والأمني، وبالتالي تعزيز مخاطر سيناريوهات الفوضى والترانسفير، وهي فرضيةٌ تستدعي مناقشة معمّقة وعصفاً فكرياً ونقدياً، ووضعها في كفّة الميزان مقابل الوضع الحالي الذي يسير بهدوء وسلام وانسيابية شديدة لصالح إسرائيل!
في المقابل، ألا يمكن أن يكون هنالك مخطّط آخر مثلاً يقوم على إصلاح السلطة وتقوية المجتمع الفلسطيني داخلياً، وتفكيك مقولات "احتلال الديلوكس"؟ ألم يكن الملك عبد الله الثاني الزعيم الأول والوحيد الذي حذّر من خطورة التلاعب بملف القدس ومن انهيار الأوضاع في فلسطين ومن انفجار المنطقة؟ فلماذا لا يتم التفكير بسيناريوهات تخلط الأوراق بالنسبة للإسرائيليين، وتحرّك المجتمع الدولي، وتعيد ترتيب حسابات القضية الفلسطينية التي تراجعت خلال الأعوام الماضية لتصبح خارج حسابات المجتمع الدولي والإدارات الأميركية بالكلية؟
من الضروري أن يُعاد التفكير بلغة الخطاب السياسي والدبلوماسي الأردني وبالخيارات الأردنية - الفلسطينية وبفرضياتٍ كلاسيكيةٍ عديدةٍ هيمنت على تفكير نخب رسمية أردنية خلال المرحلة الأخيرة.