ما حدود الدعم الأميركي لأوكرانيا؟
مضى أكثر من عام ونصف العام على الحرب التي شنّتها روسيا على أوكرانيا، وقد "نجح" طرفا الحرب في إبقاء الحريق ضمن الحدود الأوكرانية، رغم بعض الهجمات غير المؤثّرة التي يقوم بها الجيش الأوكراني، ووصل بعضها إلى موسكو، ولكن المعارك بقيت داخل أوكرانيا، وهذا ما ترغب به الولايات المتحدة ومعها حلفاؤها الأوروبيون، فهم لا يريدون تطوير المواجهة إلى حرب شاملة، أو حتى توسيع نطاقها لتشمل دولا أخرى. لذلك تُبقي الولايات المتحدة الدعم العسكري في حدود الحفاظ على مقدرة الجيش الأوكراني على الصمود، وعلى شنّ الهجمات من داخل أراضيه لاسترجاع ما يمكن من المساحات الواقعة في قبضة الروس.
تغيّرت النظرة الأميركية إلى الحرب في أوكرانيا، واتخذت أشكالا مختلفة خلال مدة الحرب، فمن موقف المساندة السياسية والدعم في مجلس الأمن إلى تحريض الحلفاء الأوروبيين على المساعدة العسكرية، ثم تقديم المال بشكل مباشر وسخيّ، وصولا إلى الموافقة على تدريب طيارين أوكرانيين على الطائرة الأميركية F16، وتزويد أوكرانيا بدبابات أبرامز الثقيلة، والتي وصلت بالفعل قبل أيام، كما قال مسؤول أوكراني. يُتوقع من مساعدة عسكرية بهذا الحجم أن تساهم في الهجوم المتواصل الذي تشنّه القوات الأوكرانية منذ أشهر. قد يعني هذا المسار أن تحصل أوكرانيا على أنواع مختلفة أخرى من الأسلحة تأثيرها أكبر، قد تكون أنظمة صواريخ ذات مدى بعيد، وهو ما يطالب به زيلينسكي دائما، وربما يتعدّى الأمر إلى إرسال طائرات أميركية متطوّرة. ورغم ذلك، الثابت كما يبدو أن الولايات المتحدة لا تريد نقل القتال إلى داخل الأراضي الروسية.
لم تعتمد أميركا خطوطا حمراء ثابتة إزاء الحرب الأوكرانية، فقد كان الموقف ديناميكيا يتطوّر ويتبدّل بحسب رد الفعل الروسي، ونحو مزيد من المساندة دائما، وقد تلكأ الرئيس بايدن بالفعل، وتحوّل إلى التصريحات الصحافية الصرفة، بعد بضعة تهديداتٍ ألقاها بوتين ومساعدوه ألمحوا فيها إلى إمكانية استخدام أسلحة نووية، ولكن التهديد تلاشى وتخلى بوتين عن هذه اللغة. تبعت ذلك زيادة في الدعم الأميركي لأوكرانيا، بعد أن اطمأنت الولايات المتحدة إلى أن السلاح النووي الروسي بعيد عن مجال الاستخدام في الوقت الحالي، فزادت جرعات الأموال وطوّرت نوعية الأسلحة المرسلة، وكثفت تنسيق مواقفها مع الحلفاء في أوروبا، وقد كان التخطيط لهجوم الربيع الماضي مشتركا عبر الدعم الأوروبي لأوكرانيا بالدبّابات. ويكاد موسم الربيع ينقضي وترغب الولايات المتحدة في تسجيل نقاط جديدة بزج دباباتها في قتال اللحظة الأخيرة، قبل أن يحلّ موسم الوحل، وتصبح الدبّابات غير قادرة على التحرّك، وأميركا تخطّط فيما يبدو لموسم الشتاء، الذي يتحوّل فيه القتال إلى التراشق من بعيد، بتقديم أنظمة صواريخ يطالب بها زيلينسكي، وتبدو مثالية لحرب الخطوط الثابتة.
تجاوزت روسيا في مرحلة العام ونصف العام من عمر الحرب الانهيارَ الاقتصادي. ورغم الصعوبات التي تمر بها، لا تزال قادرة على التمويل، مع استمرار المساعدات الأميركية والأوروبية وتصاعدها، فهي، على الجانب الآخر، تحاول أن تجعل علاقتها وثيقة أكثر مع إيران التي تزوّدها بالفعل بطائرات وذخائر، وتبدو العلاقة مع الصين مستقرّة وتتقدّم ببطء شديد، لكنها كافية لتُبقي الصين أقرب إلى الصفّ الروسي. ولدى روسيا تفاهمات مع تركيا والهند ودول أخرى. وتدرك الولايات المتحدة أن جهودها لاستنزافها لم تعد بتلك الكفاءة، ولم يعد هذا العامل هو المحرّك الرئيسي لدعم أوكرانيا في مواجهة بوتين.
تنظر الولايات المتحدة، حاليا إلى المواجهة بعين عقائدية، فالديمقراطية يجب أن تفوز في النهاية. ولا يمكن لدولةٍ مثل روسيا يحكمها ديكتاتور، وحده من يقرّر الحرب والسلم، أن تفوز على عالم ديمقراطي حرّ على جانبي الأطلسي، وبوتين يسير ضمن معطيات المنطقة والدول المشاركة في الحرب، ليجنّب روسيا هزيمة واضحة، ويعتمد الوصول إلى هذا الهدف على قدرته على المقاومة والمناورة، وعلى نتائج انتخابات العام المقبل في أميركا.