ليبيا: حكومة جديدة أم انتخابات؟

03 فبراير 2022
+ الخط -

يعود الجدل إلى المشهد الليبي بعد ضياع فرصة إجراء الانتخابات التي كانت مقرّرة في 24 من الشهر قبل الماضي (ديسمبر/ كانون الأول)، حيث اتخذ الصراع أبعادا أخرى، بالإضافة إلى الانقسامات التقليدية والصراع بين المناطق والقوى المتنفذة عسكرياً، فقد أصبح السؤال مطروحاً بشأن استمرارية حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، بعيداً عن المشكل الرئيسي الذي يؤرّق الشعب الليبي، والمتعلق بإعادة الوحدة السياسية للبلاد، والاستفتاء على الدستور والمرور إلى انتخاب المؤسسات القيادية للدولة من رئاسة ومجلس للنواب.

فيما تواصل الأمم المتحدة وقوى دولية مختلفة التأكيد على ضرورة مواصلة المسار نحو الانتخابات في أفق شهر يونيو/ حزيران المقبل سقفاً زمنياً تنتهي معه الفترة الانتقالية، تتجدّد النزاعات بين أطراف الأزمة الليبية، لتتخذ مسارين متناقضين، أحدهما يتبناه رئيس البرلمان الحالي عقيلة صالح، فيما تتبنّى الحكومة الحالية، برئاسة الدبيبة، رؤية أخرى مغايرة تماما، فمنذ عودته إلى رئاسة البرلمان التي تخلى عنها مؤقتا في أثناء ترشّحه للانتخابات الرئاسية، يحاول عقيلة صالح فرض مسار انتقالي جديد، يتأسّس على فكرة تشكيل حكومة انتقالية جديدة. وفي هذا السياق، اتخذ جملة من الخطوات، من بينها تشكيل لجنة لخريطة الطريق وفريق لوضع قاعدة دستورية، وأخيرا فتح الباب للترشح لرئاسة حكومة جديدة قد يجري الإعلان عنها يوم 8 فبراير/ شباط الجاري. هذه الخطوات المتتالية والمنفردة تدفع نحو مزيد من تأزيم الوضع الليبي المأزوم أصلاً. فتشكيل لجنة لخريطة طريق جديدة يعني عمليا إعلان إلغاء مخرجات الحوار السياسي، وكل مقرّراته من حكومة وحدة وطنية ومجلس رئاسي والإعداد للانتخابات. ويستند هذا التوجه إلى الحق المفترض للبرلمان في إقالة الحكومة، وسحب الثقة منها من خلال تصويت النواب، وهو ما يحاول رئيس البرلمان عقيلة صالح توظيفه في تصفية حساباته السياسية مع رئيس الحكومة الانتقالية. وعلى الرغم من أن توفر أغلبية 120 نائباً للتصويت ضد الحكومة لا يمكن تحققه، غير أنّ هذا لم يمنع رئيس البرلمان من الاستعاضة عنه من خلال اعتماد التصويت بأغلبية الحضور. ويظل هذا المسار محفوفاً بمخاطر شتّى، لا يوليها عقيلة صالح في ما يبدو أيّ اهتمام. ومن أبرز العوائق التي ستعترض أيّ حكومة مقبلة أنّها لن تتمكّن من الحكم فعلياً، بل ولن تكون قادرةً على دخول العاصمة طرابلس، بالإضافة إلى عجزها الكلي عن تمويل ميزانيتها في ظل انحياز المصرف المركزي لحكومة الدبيبة، ولن ينجر عن تشكيلها غير مزيد من الانقسام الوطني ومزيد من الفوضى ليس أكثر.

الفشل في إنجاز الانتخابات لا تتحمّل وزره الحكومة وإنّما الأطراف السياسية المتصارعة

في المقابل، تتمسك حكومة الدبيبة بشرعيتها، وتواصل نشاطها من دون أن تولي اهتماماً يُذكر للإجراءات المفترضة لمجلس النواب، مستندة في هذا إلى جملة من عناصر القوة، أهمها أنّ الحكومة لم تأتِ من خلال تصويت البرلمان، وإنّما نتيجة التوافق السياسي في حوار جنيف، وأنّ المدة المفترضة لبقائها تمتد إلى شهر يونيو/ حزيران المقبل، ما يعني استمرار شرعيتها خارج كلّ حسابات برلمان عقيلة صالح. كما تستند الحكومة إلى الدعمين، الأميركي والأممي، لها، إذ ترى واشنطن (وفق ما صرّح المبعوث والسفير ريتشارد نورلاند)، أن إقالة الحكومة تهدر زخم الانتخابات، وبالتالي لا تشكل أولوية مرحلية، وهو الخطاب نفسه الذي تعتمده المستشارة الأممية ستيفاني وليامز. كما تستند الحكومة إلى حضورها القوي في العاصمة طرابلس، بالإضافة إلى دعم المصرف المركزي. وعلى الرغم من فشلها في تحقيق غاية وجودها، أعني إجراء الانتخابات في موعدها، إلّا أنّ الأكيد أنّ الفشل في إنجاز الانتخابات لا تتحمّل وزره الحكومة، وإنما الأطراف السياسية المتصارعة التي واصلت التنازع في ما بينها بشكلٍ منع وجود الحد الأدنى الضروري من الاتفاق، لإنجاز انتخاباتٍ فعلية، تكون محل اعتراف من الجميع.

الأزمة الليبية مركّبة بشكل بالغ التعقيد بين مؤسسات فاقدة للشرعية وغياب دستور منظم للحياة السياسية

لكنّ هذا الصراع بين البرلمان الفاقد للشرعية بسب استمراره أكثر من عقد، وحكومة مؤقتة تصارع الزمن من أجل إنجاز المطلوب منها، فتح المجال واسعا لإثارة المخاوف بشأن إمكانية الوصول بالبلاد إلى حالة من الأمن والاستقرار، فالأزمة الليبية مركّبة بشكل بالغ التعقيد بين مؤسسات فاقدة للشرعية وغياب دستور منظم للحياة السياسية، بالإضافة إلى فوضى السلاح والانقسام المجتمعي والمناطقي، وحضور المليشيات والمرتزقة والتدخل الدولي، غير أن هذا لا ينفي أن الليبيين تمكّنوا من تحقيق خطوات مهمة في السنة الماضية، أهمها وقف المعارك العسكرية، والانطلاق في تنفيذ خريطة للطريق تحظى بدعم الأمم المتحدة والدول الكبرى. والرغبة الواضحة لدى الشعب الليبي في إنهاء الأزمة، وبناء مؤسّسات الدولة عبر الاقتراع العام من خلال إقباله على التسجيل في قوائم الناخبين، وهو ما يبشّر بإمكانية تجاوز الأزمة، غير أنّ هذا كله يحتاج إلى كثير من الصبر والأناة والتنازلات المتبادلة بين القوى المتصارعة، والأهم وجود عقلاء بإمكانهم إدارة الأزمة وتجاوز الخلافات.

B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.