لماذا لا يحبّون المدرسة؟
أعادتني إعلانات العودة إلى المدارس، أخيرا، إلى طفولتي، عندما كنت أرى أن المدرسة هي جنّتي الحقيقية التي كنت أنتظرها طوال العطلة الصيفية، متشوّقة لبدء الدراسة. ويعرف كل أبناء جيلي تقريبا أسباب ذلك، فلم تكن مغريات حياة الطفولة خارج أجواء المدرسة في ذلك الوقت موجودة، فلا خروج من البيت، وخصوصا بالنسبة للفتيات، ولا لقاء للصديقات أو حضور مناسباتهن كأعياد الميلاد وغيرها، وتكاد لقاءات الصداقة بالنسبة لنا تقتصر على علاقاتنا في نطاق أقاربنا وحسب.
وفي المقابل، كانت بيئة المدرسة مما توفّره لنا من أنشطة فنية واجتماعية ورياضية مغرية جدا. كنت، على سبيل المثال، وتعويضا عن شعوري بالعزلة الشديدة داخل البيت، أشترك في كل الأنشطة المدرسية المتاحة، مثل الصحافة والمسرح والزراعة وحفظ الشعر وحفظ القرآن الكريم، والألعاب الرياضية التي برعتُ فيها مثل الكرة الطائرة والجمباز. ويبدو أن ذلك النوع من الأنشطة، التي كنا نُقبل عليها باعتبارها ترفيها حقيقيا، كان مما يشجّعنا على التلهف لبدء الدراسة بعد انقضاء العطلة الصيفية الطويلة التي نقضي أغلبها داخل جدران البيت.
أما الآن فقد أصبحت المدرسة بيئة طاردة للأطفال، مقارنة لها بما هو خارجها، فالترفيه أصبح سهلا ومتوفرا دائما وحتى داخل البيت، والعلاقات بين الصغار أصبحت مستمرة بفضل اللقاءات وحفلات أعياد الميلاد ووسائل التواصل السهلة بينهم. وبالتالي، انتشرت بيننا ظاهرة كره المدرسة والنفور منها، وتفضيل العطلات والغياب عليها، ليس فقط بين الأطفال، بل حتى بين الطلاب الكبار وأحيانا أولياء الأمور. أصبحت المدرسة عبئا ثقيلا على الجميع، وخصوصا في بلداننا العربية. وهذا ما لمستُه في الإعلانات التي انتشرت، أخيرا، تحت عنوان العودة إلى المدرسة، ففي الإعلانات الأجنبية يبدو التلاميذ ممتلئين بالحماسة والشغف، انتظارا للعودة إلى الدراسة بوجوه مبتسمة وحركات كلها مرح ونشاط. وفي المقابل، نجد الإعلانات العربية تبعث على الكآبة وتعكس الشعور السيئ الذي يشعر به الجميع تقريبا تجاه المدرسة.
آن الأوان، إذن، لنعرف أن عودة الأطفال إلى المدارس فترة مهمة في حياتهم، حيث يبدأون رحلة جديدة من التعلم والنمو الشخصي. ولذلك ينبغي أن يعدّ تشجيع الأطفال على حب المدرسة وإبراز أهمية التعليم أمرًا حاسمًا لتحقيق نجاحهم المستقبلي، فالمدرسة ليست مجرّد مكان للتعلم، بل هي بيئة يواجه فيها الأطفال تحدّيات جديدة، ويكتسبون مهارات اجتماعية وقيما أخلاقية. إذ يمكن للمدرسة أن تلعب دورًا حاسمًا في بناء شخصية الطفل وتشكيل مستقبله. لذا، يجب أن نعمل على توفير بيئةٍ مدرسيةٍ مشجّعة ومحفزة للأطفال. ولتحقيق ذلك، ينبغي أن تكون المدرسة مكانًا يشعُر فيه الأطفال بالأمان والثقة، وأن يشعروا بأنهم محبوبون ومقدّرون، وأن إسهامهم الفردي مهم، ومن السهولة الوصول إلى هذه النتيجة بتشجيع الطلاب ومكافأتهم على إنجازاتهم، وتوفير فرص للتعبير عن أفكارهم وآرائهم بكل حرية.
كما ينبغي تشجيع الأطفال على تطوير رغبة قوية في التعلم والاكتشاف. يمكن ذلك بتوفير برامج وأنشطة مثيرة وملهمة، تحفّزهم على استكشاف الموضوعات المختلفة وتوسيع آفاقهم. ويمكن أيضًا تعزيز الفضول والاستكشاف من خلال الأنشطة الميدانية والزيارات الميدانية.
وعلينا التفكير دائما بجعل المدرسة مكانًا يشجّع على التعاون والتفاعل الاجتماعي الإيجابي، من خلال تنظيم أنشطة جماعية ومشروعات تعاونية، حيث يتعاون الطلاب معًا لتحقيق أهداف مشتركة. كما أيضًا تشجيع الطلاب على تبادل المعرفة والمساعدة المتبادلة في ما بينهم.
ولا بد أن تكون التكنولوجيا وسيلةً فعّالة لجذب انتباه الأطفال وتحفيزهم على حب المدرسة، باستخدام الوسائل المتعدّدة، مثل الألعاب التعليمية والتطبيقات التعليمية التفاعلية لجعل عملية التعلم ممتعة وشائقة. يمكن أيضًا استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والمنصّات التعليمية عبر الإنترنت، لتحفيز التعلّم وتشجيع التفاعل بين الطلاب.
وعلينا دائما أن ندرك أن تحفيز الأطفال على حبّ المدرسة ليس مهمة سهلة واحدة، بل هو عملية مستمرّة ومتعدّدة الأوجه. من خلال تعاون حتمي بين إدارات المدارس والمعلمين وأولياء الأمور.