لبنان في عين الاحتلال

17 فبراير 2024

دخان يتصاعد من قرية طير حرفا جنوب لبنان جرّاء قصف إسرائيلي (12/2/2024/فرانس برس)

+ الخط -

لا تُحرز المفاوضات بشأن تهدئة جبهة الجنوب اللبناني تقدّماً يُذكر. لا يتعلق الأمر حصراً بما يريده حزب الله أو لا يريده، بل بما ينوي الاحتلال الإسرائيلي فعله. لا يتعلق الأمر بموازين قوى ولا بعوامل الردع، بل بنوايا إسرائيلية مبيّتة وُضعت على الطاولة منذ 7 أكتوبر. في الصورة العامة، لا يريد الإسرائيلي، وفقاً لحساباته، إغلاق ملفّ قطاع غزّة، وتأجيل ملف الجبهة اللبنانية. عشرات آلاف المستوطنين النازحين من الشمال الفلسطيني المحتل ليسوا تحت السيطرة الانتخابية، وهو عنصر أساسي في صياغة قرارات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. في المقابل، يدرك حزب الله تماماً أنه باشر بالانتقال إلى مرحلة "صراع الوجود"، إذ إنه، بعيداً عن كل الفرضيات التي ذُكرت أن الاحتلال في الأصل كان عازماً على ضرب لبنان بعد غزّة، فإن الوقائع التاريخية تُثبت أن إسرائيل لا تحتاج ذريعة لضرب لبنان، حتى منذ ما قبل نشوء حزب الله.

يعلم الاحتلال أن الحزب ليس في وارد تحقيق تسويةٍ تُرضي المستوطنين في الشمال، من دون تحقيق الحد الأدنى من المكاسب في لبنان. وهي مكاسبُ ستفيد الحزب بالدرجة الأولى، لكنها أيضاً ستنفع لبنان، في حال التزام إسرائيل بوقف انتهاكاتها سيادته، غير أن حظوظ التسوية وفق قواعد الاشتباك الحالية تصبح، مع مرور الوقت، صعبة. وما يزيد من صعوبتها توسيع الإسرائيليين دائرة اعتداءاتهم في الأراضي اللبنانية، وصولاً إلى استهداف المدنيين، كما حصل في مدينة النبطية الجنوبية ليل الأربعاء ـ الخميس الماضي.

عدا ذلك، مواقف المعسكرات الإسرائيلية السياسية شبه موحّدة بما يتعلق بلبنان. وإذا كان هناك ألف سؤال يمكن توجيهه إلى حزب الله بشأن فتح جبهة الجنوب اللبناني في 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وجدواه من عدمه، إلا أن الاعتقاد بأن الإسرائيليين لا ينوون شرّاً بلبنان خاطئ، سواء بحكم التاريخ أو بحكم الوقائع الحالية. حتى أنه، في سياق الحديث عن حلول لوقف المواجهات جنوبي لبنان، دائماً ما يوضع الحزب في خانة من عليه التنازل، علماً أنه في أبسط بديهيات أي تسوية بعد أي حرب لا ينتصر فيها طرف، أن يتنازل الجانبان تحقيقاً لتهدئة، ليس بالضرورة أن تؤدّي إلى اتفاق سلامٍ، غير أن الاحتلال الذي ينكر قيام دولة فلسطينية، رغم إيحائه أنه قد يقبل بها مشتتة جغرافياً ومنزوعة السلاح، لن يقبل بوجود طرفٍ يعتبره "مهدّداً لوجوده"، دائماً بحسب أدبيات إسرائيل، على تخوم الشمال الفلسطيني المحتل.

وإذا كان اليوم هذا "التهديد" يمثله حزب الله بحسب إسرائيل، فإنه كان سابقاً حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية، وقبلها الدور المتقدّم للدولة اللبنانية سياحياً واقتصادياً، وتنوّع الشعب اللبناني الطائفي والثقافي. يمكن ويحق للجميع انتقاد حزب الله في الداخل اللبناني، وأخطاؤه كبيرة جداً في السياق، لكن لا يمكن لأحد الظنّ أن إسرائيل "دولة محبّة للسلام". ورد فعلها على "طوفان الأقصى" في غزّة يكفي للدلالة على عدوانيتها. هل كان الاحتلال منظمة خيرية في غزّة والضفة الغربية المحتلة سابقاً؟ وكيف يريد العيش مع دول الجوار بسلام وأمن، طالما أن من أبسط بديهيات القوانين الدولية، أنه لم يحدّد مساحة "دولته" الجغرافية في الأمم المتحدة بعد؟

بعيداً عن نظريات المؤامرة والانفعالات العاطفية، لا يرى الإسرائيلي لبنان، بحزب الله أو من دونه، وطناً مسالماً، بل عدوّاً ينافسه في شرق البحر المتوسط. في المقابل، لا يمكن للبناني الوثوق بأي "دعمٍ خارجي" لمساندته في مواجهة الاحتلال. لا المجتمع الدولي قادر على فرض رؤيته على الإسرائيليين، ولا إيران مستعدّة لترجمة دعمها الكلامي لبنان. ها هي غزّة قد أظهرت، لمن لا يريد التصديق، حقائق كثيرة غرباً وشرقاً. مع مرور الوقت، تتساقط كل الاحتمالات ويبقى احتمال واحد: اندلاع الحرب بات أقرب من أي وقتٍ مضى.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".