حَدَث في بنسلفانيا

20 يوليو 2024
+ الخط -

وُلد دونالد ترامب مرّة أخرى بفارق ميليمترات قليلة في باتلرـ بنسلفانيا الأميركية، السبت الماضي. ليس وحده من وُلد في ذاك اليوم المُشمِس، بل وُلدت أيضاً نظرية مؤامرة أخرى في تاريخٍ زاخرٍ بذلك في الولايات المتّحدة والعالم. روايات عدّة تتناثر عن مُطلِق النار توماس ماثيو كروكس. كلّ رواية تناقض أخرى أو تشابه قصة "أليس في بلاد العجائب". الأكيد أنّه في أزمنة تزاحم الروايات المرئية والمكتوبة عن محاولة الاغتيال، ستغيب الرواية الحقيقية، لكنّ نظرية المؤامرة تبقى في كلّ ما يقوله ترامب ويفعله، وذلك من قبيل الافتراض المُطلق: "ماذا لو قُتل؟". ماذا لو قُتل ترامب وكان مُحتّماً على الرئيس جو بايدن التنحّي لأسباب صحّية من المعركة الرئاسية؟ كيف سيكون مشهد الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني المُقبل؟ من الذي سيمنع المهووسين بنظريات مؤامراتية من التفكير بوجود مؤامرة من نوع ما، جاء ذكرها في مسلسل "ذا سمبسون" مثلاً؟

لن تكون هناك أجوبة. ليست الافتراضات نظريات مستندة إلى رياضيات. الافتراضات مُجرّد تساؤلات لامتناهية ولا أجوبة شافية لها. يبقى الواقع أن ترامب نجا، وأنّ بايدن أُصيب بمقتل سياسي. وهذا يكفي لرسم باقي الصورة. صورة يخوض فيها الرئيس الأميركي السابق معركة رئاسة في مواجهة بديل بايدن، الذي قارب الخروج من السباق الرئاسي... لنعد خطوة إلى الخلف: من كان ليتخيّل أنّ الرجل، الذي اقتحم أنصاره مقرّ الكونغرس في 6 يناير/ كانون الثاني 2021، بات على عتبة البيت الأبيض مُجدّداً بعد نجاته من محاولة اغتيال؟ لا أحد تقريباً، إلا ترامب نفسه. الأهم أنّ أبواب السجن، ولو نظرياً، كانت مُشرعة أمام ترامب في أربع قضايا، وكان مُحتّماً دخوله في إحداها مُعتقلاً ما، غير أنّ الرياح عكست مسارها لصالحه في بنسلفانيا. لكنّها أميركا في نهاية المطاف. البلاد التي تحوي كلّ شيء وتستوعب كلّ شيء. ستمرّ محاولة الاغتيال، وقد تضع ترامب في قلب البيت الأبيض. لكنّه يبقى احتمالاً. لا أحد يعلم ما قد يحصل في الغد. وما لم يَقتل ترامب وجعله قوياً، قد يكون كذلك مع أيّ منافس رئاسي آخر.

في المُقابل، من سوء حظّك أن تكون جو بايدن في هذه الأيام. كلّ شيء خارج السيطرة. أجنحة الحزب الديمقراطي التي اتّحدت خلفك لمواجهة ترامب في عام 2020، هي نفسها من تعمل على إزاحتك لاختيار بديل عنك لمواجهة ترامب نفسه. كلّ شيء لا يسير وفق رغباتك. الأميركيون والخارج يَعدّون زلاتك. ترامب يسخر منك. كورونا لا يتخلّى عنك. الرئيس الأسبق باراك أوباما بدأ بالتخلّي عنك. أوباما نفسه الذي كاد يُهزم في رئاسيات 2012 لو لم تنجده في مناظرتك الوحيدة لنيابة الرئيس في ذلك الحين، حين تغلبت على بول ريان، يدعو لترشيح خليفة لك. العالم الذي لم يصدق أنك تغلبت على ترامب في عام 2020، باشر بالتقرّب من المرشح الجمهوري درءاً لمخاطر الولاية الثانية.

إذا عنى ذلك أمراً، فهو أنّ الولايات المتّحدة ليست على حافّة هاويتها، ولا واهنة أو ضعيفة، بل قادرة حتّى في هذا الارتباك الرئاسي على أن توقف العدوان الإسرائيلي على غزّة. وكلّ حديث آخر عن قوى عالمية صاعدة أو ناشئة ليس في محلّه. الاهتمام الدولي بالانتخابات الأميركية يوحي وكأنّ رئيس أميركا هو رئيس العالم، وأنّ الاعتراضات عليه مشابهة لاحتجاج فريق من المعارضة على رئيس ما في دولة ما. الأميركيون أيضاً يعشقون فنّ الصورة، كما حصل في قبضة ترامب المرفوعة تحت ظلال العلم الأميركي. وترامب، كأيّ رجل أعمال، لم يتردّد في استغلال الصورة للترويج لها، كما فعل بواحدة مماثلة التُقطت له العام الماضي في مثل هذه الأيام. الصورتان للبيع. التبرعات تزداد. البيت الأبيض في متناول اليد. نظريات المؤامرة لا تهدأ. توماس كروكس على خطى هارفي لي أوزوالد (اغتال الرئيس جون كندي). جو بايدن يخرج من الباب الخلفي في خريف عمره السياسي. إنّها أميركا.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".