كل شيء جائز في تونس للتخلص من الإسلاميين
أنجز الفريق التونسي لكرة القدم مقابلة ممتازة ضد الدنمارك، وشهد بذلك الجميع. واعتُبر عيسى العيدوني رجل المباراة، وجرى تكريمه أفضل لاعب خلال المقابلة، واعتبرته صحيفة العربي الجديد اللاعب الحديدي الذي عطّل ماكينة الدنمارك. مع ذلك، هناك من بين المعلقين في إحدى الإذاعات التونسية من اعتبر سلوك العيدوني "سلفيا"، وقدّر أنه لو كان موجودا في تونس "لكان موقوفا وليس فقط موجودا ضمن قائمة الـ17"، وهي القائمة التي تشمل المشتبه فيهم. وربط بين هذا اللاعب وتنظيم أنصار الشريعة المصنّف حركة إرهابية. وبما أن هذا اللاعب الدولي من مواليد فرنسا، ويلعب في خط وسط لفريق نادي فيرينتسفاروشي المجري، فإن التهمة الموجهة إليه من هذا المحلل السياسي تقتضي اعتقاله مباشرة بعد عودته، باعتباره إرهابيا خطيرا!
هناك في تونس من يسعى صباح مساء من أجل الدفع بالرئيس قيس سعيّد نحو تقمّص دور الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في معركته الشرسة ضد الإسلاميين، فصراع هؤلاء مع حركة النهضة يتجاوز كل الضوابط الأخلاقية والقانونية. هم يريدون منه أن يستأصلها ويستأصل معها روافدها والحقل المعرفي الذي يتقاطع مع مرجعياتها الأيديولوجية. لهذا تراهم يلتقطون كل ما من شأنه أن يساعد على إدانتها، ويؤدّي إلى اقتلاع الظاهرة بجميع تعبيراتها السياسية والدينية والثقافية. وحين يفاجأون من حين إلى آخر بتصريحٍ لرئيس الدولة أو موقف يستند إلى المرجعية العقائدية نفسها التي يعتمد عليها الإسلاميون والمتدينون عموما، تراهم يقومون بدورة التفافية، ويتجنّبون الاصطدام به خوفا من أن يجعلوا منه خصما لهم، لأنهم يريدون الاستفادة منه، ولو بصفة مؤقتة، لتصفية خصمهم الرئيسي ممثلا في الإسلاميين. وهم مستعدّون من أجل ذلك للتضحية بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وأيضا بالحقيقة.
لست هنا في موقع تبرير أخطاء "النهضة" والدفاع عن سياساتها السابقة التي أوصلت البلاد إلى المأزق الراهن، فالمعارك الدائرة ضدها أو بين قادتها وكوادرها أمر مشروع ومتوقع وطبيعي بالنسبة لأي حزبٍ فشل في إدارة المرحلة، لكن ما يُخشى في تونس أن تنجح محاولة تحويل وجهة هذا الصراع الأيديولوجي إلى حالةٍ من الحقد الأعمى الذي لن ينجرّ عنه سوى مزيد من الأحقاد، وربما إسالة الدماء، والتنكيل بالخصوم. عندها تصل تونس إلى نقطة اللاعودة، وتدفن السياسة بشخوصها وأصولها وخطاباتها المتنوعة، وتفتح، في المقابل، السجون على مصراعيها، وتنسف الحقوق والمبادئ، وتصبح الكلمة الأعلى للأقوى الذي يتحصّن بالسلطة، وينجح في السيطرة على الدولة وأجهزتها.
ينقسم خصوم "النهضة" إلى ثلاث مجموعات. صنف مخالف لها، لكنه يعتبر أن المعركة السياسية الحالية ضد سعيّد أهم وأخطر من مواصلة الاشتباك مع الحركة، خصوصا بعد هزيمتها وانتقالها من مواقع السلطة، لتجد نفسها حزبا محاصرا يتعرّض قادته وكوادره للملاحقة القضائية. لهذا السبب، لم يتردّد هذا الطرف في التحالف مع "النهضة" والاستعانة بقواعدها الوازنة لدعم المعركة ضد قيس سعيّد ونظامه.
يجاهر الطرف الثاني بموقفه المناهض للإسلاميين، وأن خصومته معهم مستمرّة ما لم تقم حركة النهضة بمراجعات حقيقية وعميقة، وما دام راشد الغنوشي رئيسا لها. ولكن في المقابل يخوض هذا الطرف معركة سياسية ضد سعيّد، بحجة أن خطره لا يقل عن خطر الإسلاميين، معلنا رفضه اللجوء من جديد إلى المعالجة الأمنية ضد "النهضة" خشية أن تعود البلاد إلى المربّع السابق.
ويعتقد أصحاب الصنف الثالث أن الإسلاميين أعداء وشياطين، لا بد من مواجهتهم بقوة. وينقسم هؤلاء إلى قسمين: قسم يعتبر أن إزاحة قيس سعيّد عن الحكم هي الطريق الأفضل للتخلص من الطرفين. في حين يذهب آخرون إلى الاعتقاد بالاصطفاف وراء الرئيس، حتى يكمل خطته الهادفة إلى إقصاء الإسلاميين، والتموقع في صلب المؤسسات، إلى أن تتوفر الظروف الملائمة لإبعاده عن السلطة والانفراد بالدولة.
هذه سيناريوهات الفاعلين اليوم على الساحة في تونس، فكيف ستكون معادلات الغد؟