في حيرة المعارضة التونسية

05 مايو 2024

احتجاج للمعارضة التونسية ضد الرئيس قيس سعيّد في العاصمة تونس (5/3/2023/الأناضول)

+ الخط -

لا تزال المعارضة التونسية غير قادرة على اتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب، ففي كل مرّة تسيء التقدير وتسجل الأهداف في مرماها، بدل أن تصوّب الكرة نحو مرمى خصمها. الأمثلة عديدة، وما يخشى اليوم أن تفشل المعارضة في تحويل الانتخابات الرئاسية المقبلة إلى فرصة تستعيد من خلالها ثقة التونسيين بها، أو على الأقل تعود رقماً مهماً في المشهد السياسي الراهن.
رغم إصرار السلطة على تقزيم خصومها والتنكيل برموزها بمختلف اتجاهاتهم، سواء من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، فقد حافظ هؤلاء الخصوم على تفكّكهم وصراعاتهم القديمة وحساباتهم الضيقة، وبقوا مصرّين على تبادل الإقصاء وممارسة الفرز السياسي والإيديولوجي بين مكوّناتهم... بقوا سجناء المرحلة السابقة بجميع تفاصيلها وأخطائها. حاولت بعض الشخصيات، ولا تزال، تقريب الشقّة بين حركة النهضة وبقية العائلات السياسية المعارضة للسلطة. ورغم أن بعض هذه الشخصيات، مثل عياشي الهمامي، مستقلة سياسياً وذات جذور يسارية، إلا أن مساعيهم جوبهت برفضٍ من معظم العائلات الحزبية لفكرة التنسيق مع حركة النهضة، ووضع اليد في أيادي قادتها، رغم تغيّر الوجوه ووجود زعيم الحركة، راشد الغنوشي، في السجن. كذلك رفضت هذه الأطراف الحديث حتى مع حزب العمل الذي أسّسه بعض الذين انشقّوا عن "النهضة" بقيادة عبد اللطيف المكّي، واعتبره بعضهم نسخة منقّحة من الحركة، فالإسلاميون مرفوضون مهما كانت القبّعة التي يضعونها فوق رؤوسهم.
لا يزال المعارضون للرئيس قيس سعيّد متردّدين في تحديد موقف واضح من مبدأ المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي لم يحدّد موعدها بدقة. هم يعتقدون أن كل المؤشّرات تدلّ على رغبة سعيّد في تمديد العهدة والاحتفاظ بالرئاسة. ويفسّرون على هذا الأساس قضية التآمر على أمن الدولة واتهام معارضين عديدين بتهمة الإرهاب، بأنها تندرج ضمن خطة التخلّص من المنافسين المحتملين في السباق الرئاسي. لهذا السبب، يدور الجدل في صفوف المعارضة بشأن الشروط الدنيا التي من دونها قد يضطرّون إلى اختيار موقف المقاطعة. وإذا ما حصل ذلك، ترتكب المعارضة خطأً قاتلاً لأن سياسة الكرسي الشاغر أشبه بالاعتراف المسبق بالفشل، وتمكين المنافس الماسك دواليب الدولة من فرصة ذهبية تجعله في وضع مريح لكي يحقّق فوزاً عريضاً، ويدفع الناخبين نحو اختياراتٍ محدودة جداً، فالذي ينسحب في معركة عضّ الأصابع يفقد موقعه، ويجد نفسه في آخر الطابور ينتظر خمس سنوات أخرى.
لم يُحسم الأمر بعد، رغم إعلان رئيس جبهة الخلاص الوطني، نجيب الشابي، إن الجبهة لن تشارك في الانتخابات المقبلة بمرشّح لها. إذ لا يزال الجدل متواصلاً بشأن المشاركة من عدمها. مطالب المعارضة عديدة وصعبة التحقيق، لأنها تتعلق بجوهر السياسة التي اعتمدها قيس سعيّد منذ انفراده بالسلطة، فهي تطالبه بالتراجع عن جميع الخطوات التي أقدم عليها والمتعلقة بالحرّيات، وبتنقية المناخ السياسي العام، وهي دعوات رفضها الرئيس رفضاً تاماً، وكان الردّ هذه المرّة بإحالة 50 متهماً على المحاكمة بتهمة الإرهاب، لكن هناك في صفوف المعارضة من يدعو إلى اقتحام المربّع الذي وضعته السلطة، والقبول بخوض الانتخابات رغم السقف المنخفض جدّاً، ومحاولة تحقيق الفوز أو على الأقل تحجيم النسبة التي سيحصل عليها قيس سعيّد. مراهنة صعبة في ظل معادلة صعبة، لكن من شأن هذه المحاولة أن تنتج مشهداً جديداً في بلد مرهق سياسياً واقتصادياً، فجميع المراقبين يعبّرون عن حيرتهم تجاه بلد مثل تونس، يملك قدراتٍ عجيبة على إجهاض الفرص التي تتاح له من حين إلى آخر في مقابل صراعاتٍ لا جدوى من ورائها. الجميع خاسرون والشعب من ورائهم لا يفقه ما الذي يفعلونه، في أن كل الأطراف تتحدّث باسمه وتطلب ودّه. وهذه إحدى متاهات السياسة التي أجهضت ثورات عديدة، ودفعت شعوباً عديدة نحو اليأس، وانتقلت من محرقةٍ إلى أخرى.