في اليوم العالمي للمهاجرين
يحيي العالم اليوم الاثنين 18 ديسمبر/ كانون الأول، ككل سنة، اليوم العالمي للمهاجرين، وهو اليوم الذي أقرّته الأمم المتحدة تخليداً لصدور الاتفاقية الأممية "لحماية المهاجرين وأفراد عائلاتهم". كان ذلك سنة 1990. حين نطّلع على الأدبيات التي رافقت الاتفاقية، نقف على السياقات والغايات النبيلة التي دفعت الأمم المتحدة إلى صياغة هذه الاتفاقية، لعل أهمها اعتراف منها للمهاجرين بجليل أعمالهم وإضافاتهم القيمة إلى المجتمعات التي حلّوا فيها. وما كان للولايات المتحدة أن تبلغ من ازدهار ورقي لولا أعمال المهاجرين وقوة عملهم، والشيء ذاته ينطبق على أوروبا، بعد أن دمّرتها الحربان العالميتان، الأولى والثانية، وأعاد المهاجرون إعمارها. والأمر يتجاوز هذا العرفان على نبله، ليشمل رغبة الأمم المتحدة في حماية المهاجرين، خصوصاً وقد كانت عشرية الثمانينيات عشرية التضييق القانون والتشدّد الأمني في معالجة قضايا الهجرة.
حرصت أوروبا أن تعلي جدران قلعتها، وفعلت الولايات المتحدة الشيء ذاته تقريباً، حين حصّنت حدودها بمختلف ترسانة التشريعات والعتاد الحربي والإلكتروني. كانت أوروبا في أوج زهوها بإنشاء فضاء شنغن. ولذلك لم تتردّد في ملاحقة المهاجرين وتهديد البلدان التي لا تبدي تعاوناً كافياً في ما تسمّيها "مكافحة الهجرة غير الشرعية". ستواصل الدول الأوروبية منفردة أو في إطار فضاء شنغن أن تبتكر ترسانة من التشريعات والتنظيمات على غرار منظمة فرنوتكس التي تحرس حدود الاتحاد الأوروبي. ولذلك، نصّت هذه الاتفاقية على ضرورة حماية المهاجرين، بقطع النظر عن وضعيتهم القانونية: أي شرعية أو غير شرعية، بل تتجاوزهم الحماية لتشمل أفراد عائلاتهم.
وصل ما يناهز 153 ألف مهاجر إلى السواحل الإيطالية، وذلك حتى 4 ديسمبر الحالي
كان ذلك ثورة تشريعية أممية هامّة وجريئة، وربما كان سبباً دفع بلداناً عديدة إلى التحفّظ عليها. لم توقّع معظم الدول الغربية على هذه الاتفاقية، وظلت بعض البلدان تنتظر سنوات، حتى تنضم إليها. ولعلّ من المهم ذكر أن المغرب والجزائر وليبيا فقط من الدول العربية وقّعت عليها. غير أن العشرية التي تلت صدور الاتفاقية ستشهد ارتفاعاً في أشكال التضييق على المهاجرين وانتهاك أبسط حقوقهم الإنسانية. كانت أحداث 11 سبتمبر (2001) علامة فارقة في تاريخ الهجرة عموماً. سيتم تلبيس الهجرة بالإرهاب، لتبدأ مرحلة أخرى من معاناة المهاجرين. لم تتراجع الأسباب التي تدفعهم إلى مغادرة أوطانهم، بل تفيد الوقائع بأنها في نمو سريع: الفقر، البطالة، الحروب الأهلية، التغيرات المناخية، كلها عوامل ترتفع من سنة إلى أخرى. ها إننا نطوي العشرية الثالثة من الألفية الثالثة، ولكن لا شيء في الأفق ينبئنا أن العالم بخير، وأن تلك الأسباب الطاردة قد تختفي في السنوات القليلة المقبلة. ففي انتظار تقرير الأمم المتحدة السنوي الخاص بالهجرة، ويصدر بعد أيام قليلة، عدد المهاجرين سنة 2022 يناهز 281 مليوناً، أي إن نسبة المهاجرين الدوليين 3.5% تقريباً من عدد سكان العالم، على خلاف كل التهويلات التي تعمد إليها الدول الغربية، وما يقارب 96.4% من الناس يعيشون في البلدان التي ولدوا فيها.
إقليمياً، ظلّ البحر الأبيض المتوسط من أكثر الفضاءات التي سجّلت فيها تدفقات هجرية مرتفعة، لا تخلو من مآسٍ. يطلّ المتوسط على ثلاثة قرارات، لا يفصلها البحر إلا بأميال قليلة، يعبرها البشر من حين إلى آخر، حين تضيق بهم أوطانهم لأسباب عديدة، ذكرنا بعضها، خصوصاً وقد سجلت القارّة الأفريقية في السنوات الأخيرة أرقاماً قياسية في عدد الانقلابات العسكرية والحروب الأهلية، فضلاً عن التغيرات المناخية الحادّة التي تُضاف آثارها في ظل سوء إدارة الأزمات، والفساد الذي ينخرها. ورغم كل الإجراءات المتشدّدة، لم تنخفض أعداد المهاجرين عموماً، ففي الأرقام التي نشرتها السلطات الإيطالية، مثلاً، وصل ما يناهز 153 ألف مهاجر إلى السواحل الإيطالية، وذلك حتى 4 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، في حين كانت الأرقام تناهز مائة ألف مهاجر. أما سنة 2021، فكانت الأرقام في حدود 63 ألف مهاجر.
هذه الحقائق البليغة التي تثبت فشل المقاربات الأمنية في حل قضية الهجرة جعلت وزير الخارجية الإيطالي، يتباهى بإنجازه الوحيد، وهو تراجع عدد المهاجرين التونسيين خلال شهري أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني الماضيين. ومع ذلك، سكت الوزير عن التكلفة البشرية الباهظة التي ستظل تلاحق كل من ساهم في إنجازها. لقد توفي في عرض البحر خلال السنة المنقضية ما يزيد على 2500 مهاجر، منهم مائة طفل.