عن تفاهة عنصريين عرب

13 ابريل 2023
+ الخط -

قد يكون مفهوماً (وليس مبرّراً)، تصاعد العنصرية وخطاب الكراهية تجاه الأجانب والمهاجرين في دول غربية متقدّمة اقتصادياً، ولديها وفرة تجعلها محط أنظار العمالة من جميع أنحاء العالم. لكن المفارقة أن يتصاعد مثل هذا الخطاب في بلدين عربيين يعانيان أزمات اقتصادية طاحنة، تونس ولبنان.

توجّه بعض الخطاب العنصري في لبنان تجاه اللاجئين السوريين، في محاولة لتحميلهم مسؤولية الانهيار الاقتصادي الذي أصاب البلاد منذ 2019، حتى إن أحدهم، وقد زاده الله بسطة في الجسم لا في العلم، نشر صورته بجوار صورة طفل سوري، معرباً عن غضبه، وزاعماً أن هذا الطفل المسكين يسرق منه أموالاً هو أحقّ بها.

لم يفكر هذا العنصري وأمثاله في توجيه غضبهم تجاه المسؤولين الحقيقيين عن المأساة التي يمرّ بها لبنان، وهم كامل الطبقة السياسية، ومسؤولو المصارف ممن نهبوا ثروات البلاد عقوداً، لكنهم استأسدوا على أطفال هاربين من جحيم الحرب في بلادهم، ولاجئين إلى بلدٍ يعاني هو الآخر من انهيار اقتصادي ومالي لا تجعله جاذباً لأي أجنبي، حتى إن مواطنيه يبحثون عن أي فرصةٍ للخروج منه والنجاة بأنفسهم من جحيم الأوضاع المعيشية التي أصبحت لا تُطاق.

ينطبق الأمر على تونس، فقد وجد الرئيس قيس سعيّد في المهاجرين الأفارقة فرصة لكي يحاول إلهاء التونسيين وإشغالهم، عبر اتهام الأفارقة بأنهم يهدفون إلى تغيير ديمغرافية تونس، رغم أن هؤلاء المهاجرين يتّخذون من تونس مجرّد محطة لهدفهم الأكبر، المتمثل بعبور البحر إلى أوروبا.

يبدو أن سعيّد، في إطار اتهاماته تلك، اقتبس نظرية منتشرة في أوساط اليمين المتطرّف الأوروبي وطبّقها على تونس، وهي نظرية تسمى "الاستبدال العظيم"، وفيها يزعم هؤلاء أن أوروبا ستتحوّل من قارّة تسكنها أغلبية مسيحية بيضاء إلى خليط من المهاجرين غير الأوروبيين. لكن هذا التنزيل يبدو مثيراً للسخرية، ولا يستحقّ النقاش.

بدلاً من محاسبة المسؤول عن الأزمة، استقوى العنصريون على الضعفاء، متقمّصين أداء اليمين الأوروبي المتطرّف

وجد تونسيون من ذوي البشرة السوداء أنفسهم ضحية لاتهامات رئيس البلاد، عندما تعرّضوا لمضايقات عديدة من عنصريين ظنّوا أنهم مهاجرون قادمون من خارج تونس، ليسمعوا عبارات مثل "ماذا تفعلون هنا؟ عودوا إلى بلادكم، ارحلوا"، فضلاً عن تعرّض بعضهم لاعتداءات جسدية. والمفارقة أن مثل تلك العبارات يسمعها التونسيون أنفسهم، فضلاً عن غيرهم من المهاجرين، من العنصريين في الدول الغربية التي يذهبون إليها بحثا عن عملٍ ومستقبلٍ أفضل. فتونس من الدول الطاردة لمواطنيها منذ عقود بسبب أحوالها الاقتصادية السيئة. ولذلك، يبدو تقمّص بعض التونسيين شخصية المواطن الأوروبي الأبيض مثيراً للسخرية والاشمئزاز معاً.

تثير مضايقة بعض العنصريين في تونس المهاجرين والسود الاستغراب من أن هناك تونسيين ما زالوا يصدّقون قيس سعيّد، رغم مرور نحو عامين على انقلابه الدستوري الذي استولى بموجبه على السلطة المطلقة، واعداً المواطنين بالرخاء والتقدّم. ولكن البلاد ها هي ترزح تحت وطأة ارتفاع الأسعار وزيادة الديون وفشل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، للحصول على قروضٍ جديدة، فضلاً عن اختفاء سلع أساسية من الأسواق، في مشهدٍ شبيه بما يحدُث في لبنان. لكن بدلاً من محاسبة المسؤول عن الأزمة، استقوى العنصريون على الضعفاء، متقمّصين أداء اليمين الأوروبي المتطرّف، لكن هيئتهم في هذا التقمّص تبدو مثل المهرّجين الهزليين، مع كامل الاحترام للمهرّجين الذين يؤدّون عملاً مفيداً للإنسانية أكثر بكثير ممّن يدّعون عظمة زائفة ويحمّلون المستضعفين أسباب فشلهم وخيباتهم.

D90F1793-D016-4B7E-BED2-DFF867B73856
أسامة الرشيدي

صحفي وكاتب مصري، شارك في إنجاز أفلام وحلقات وثائقية عن قضايا مصرية وعربية، وكتب دراسات ومقالات نشرت في مجلات ومواقع إلكترونية.