عندما تتنازع حكومتان في ليبيا على الشرعية

05 مارس 2022

احتجاج في طرابلس على تولي فتحي باشاغا رئاسة الحكومة (11/2/2022/الأناضول)

+ الخط -

بعد منح الثقة للحكومة الجديدة برئاسة فتحي باشاغا، تكون الأزمة الليبية قد دخلت مرحلةً جديدةً من الصعب توقع ما ستفضي إليه في الأيام المقبلة. ليست المرّة الأولى التي تعرف فيها ليبيا حكومتين لبلد واحد تتنازعان الشرعية، حيث استمرّ التنازع بين حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج وحكومة عبد الله الثني المؤقتة في شرق ليبيا سنوات، على الرغم من أن حكومة الوفاق كانت تحظى بالاعتراف الدولي، فيما ظلت حكومة شرق ليبيا في جوهرها مجرّد إدارة تابعة لسلطة الأمر الواقع التي تفرضها مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

كان مشهد تسليم حكومة الوفاق وحكومة شرق ليبيا مقاليد السلطة لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة في مارس/ آذار من العام الماضي لحظة أمل لإمكانية استعادة الوحدة السياسية ومركزية القرار للدولة الليبية، غير أن تسارع الأحداث بعد فشل تنظيم الانتخابات في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي جعل الأمور تسير نحو الأسوأ في ظل عودة التنازع بشأن أحقية تمثيل الدولة الليبية ووجود سلطة شرعية تقود البلاد إلى الخروج من أزمتها.

منذ ظهوره شخصية سياسية فاعلة على مسرح الأحداث، شكّل الدبيبة قلقا حقيقيا للشخصيات النافذة، سواء في غرب البلاد أو شرقها، وهو أمر فاقمه إعلانه الترشّح للانتخابات الرئاسية، ما خلط أوراقا كثيرة ودفع أطرافا متنازعة إلى البحث عن تحالفاتٍ ممكنة، تدفعهم نحوها طموحاتهم الشخصية المتقاطعة مع رغبة قوى دولية نافذة. وهكذا وجدنا وزير الداخلية السابق في حكومة الوفاق الوطني والشخصية النافذة في الغرب الليبي، فتحي باشاغا، يتوجّه نحو البحث عن تقارب مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وحليفه الدائم رئيس البرلمان عقيلة صالح.

طريق ليبيا نحو الاستقرار لا يزال بعيدا

ربما كان ممكنا القول إن حكومة توافق وطني برئاسة باشاغا، وتضم ممثلين عن مليشيات حفتر ونواب عقيلة صالح، ستكون خطوة لإعادة الاستقرار، لو جاءت قبل إعلان حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة. أما في الوقت الحالي فالأمر يبدو مجرّد محاصصة لقطع الطريق أمام الانتخابات المقبلة، والحفاظ على نفوذ المليشيات والشخصيات السياسية التي تخشى إجراء الانتخابات قريبا، بما يؤدّي إلى فقدانها نفوذها وظهور شخصيات سياسية جديدة تحظى بالشرعية الانتخابية وبالدعم الدولي.

تراهن بعض القوى الدولية، وهي أساسا مصر وروسيا والقوى المحلية التابعة لها (حفتر وعقيلة صالح) من خلال دعمها فتحي باشاغا، على إيجاد نوعٍ من الانقسام في الغرب الليبي، فاللواء المتقاعد الذي عجز سنوات عن دخول طرابلس عن طريق الحرب والعنف يجد الفرصة سانحة لإيجاد موطئ قدم في العاصمة، عبر النفوذ الذي يتمتع به حليفه باشاغا هناك، وهي فرصة، في الوقت نفسه، لقطع الطريق أمام عبد الحميد الدبيبة عن الوصول إلى منصب الرئاسة، وهو الذي بات يحظى بشعبيةٍ لا تنكَر في أوساط الشارع الليبي.

في المقابل، تتمسّك حكومة الوحدة الوطنية بمبرّر وجودها، أعني تنظيم الانتخابات في أقرب وقت. وهكذا أعلن عبد الحميد الدبيبة بوضوح عن خريطة الطريق التي يتبنّاها، وأطلق عليها تسمية "إعادة الأمانة إلى أهلها"، وتقوم على إجراء انتخابات برلمانية قبل 24 يونيو/ حزيران المقبل، مؤكدا "ستُجرى الانتخابات البرلمانية وسترحل الانتخابات الرئاسية، لتُنتج وفق دستور دائم"، وهو ما يعني خروج جميع الكيانات السياسية من المشهد الحالي وفتح الطريق أمام الناخب الليبي لإعادة ترتيب الأوراق حسب اختياره، أو على الأقل في حدود المتاح.

الحكومة الجديدة.. اتجاه نحو مزيد من التأزيم، ولن تكون جزءا من الحل بقدر ما هي أحد أعراض الأزمة الليبية المتفاقمة

تشكيل حكومة جديدة ترغب في استلام السلطة من حكومة الوحدة الوطنية، وأن تتخذ من طرابلس مقرّا لها، وتحظى بالدعم الدولي، لن يكون بالسلاسة- والسهولة- التي يتصوّرها أصحابها، وفي ظل ما ورد في بيان أصدره المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، الذي أكد أن الأمين العام يعرب عن قلقه إزاء التقارير التي تفيد بأن تصويت منح الثقة في مجلس النواب لم يرق إلى المعايير المتوقعة للشفافية والإجراءات، وشمل أعمال ترهيب قبل انعقاد الجلسة".

الأكيد أن فوضى القرار في ليبيا، وتنازع المصالح بين القوى الدولية والصراعات والتحالفات المتحركة بين الكيانات السياسية والمجموعات المسلحة المحلية، تكشف أن طريق ليبيا نحو الاستقرار لا يزال بعيدا، وفي غياب إرادة حقيقية لمنح الفرصة للإرادة العامة للشعب الليبي، أن تعبر عن ذاتها عن طريق الانتخابات، وبعيدا عن الترهيب، فمن الصعب القول إن الأزمة الليبية ستجد طريقها إلى الحل قريبا. أما الحكومة الجديدة فهي اتجاه نحو مزيد من التأزيم، ولن تكون جزءا من الحل بقدر ما هي أحد أعراض الأزمة الليبية المتفاقمة.

B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.