سياسيات .. في نهر واحد

25 مارس 2021
+ الخط -

سأبدأ قراءة هذا الكتاب الجميل الذي حظيت به قبل أسبوع من خلال الإهداءين اللذين كتبهما الكاتب مدخلا لقراءته. الأول هو الإهداء الشخصي لي الذي أكرمني به عبدالله عيد العتيبي، وسأتجاوز بدايته لأقف عند خاتمته؛ "اختياراتي قطعة مني". وفي الإهداء "الرسمي" المطبوع في صفحات الكتاب الأولى، كتب الكاتب؛ "إلى كل عشاق الكرامة والعزة مهما اختلفت مشاربهم.. فكل الجداول تصبّ في نهر واحد..". وما بين الإهداءين، يمكن أن نلتقط فكرة الكتاب الأساسية انحيازا لمعنى الاختيار، باعتباره قطعة من الذي يقدم عليه وباعتباره أيضا تنويعا في النهاية على سبيل التعددية والإثراء.

الكتاب عنوانه؛ "سياسيات.. قصائد مختارة"، وهو لثمانية عشرة شاعر عربي معاصر، اختار العتيبي لكل منهم بضع قصائد راقت له، وأدرجها تحت العنوان السياسي العام. وهو ما أشار إليه في تقديمه الكتاب، إذ كتب: "هذا الكتاب الذي أضعه بين أيدي قرائي الأعزاء هو مجموعة من القصائد التي راقت لي من الشعر السياسي المعاصر أثناء قراءتي في دواوين الشعراء المعاصرين، فاحتفظت بها، ودوّنتها في ملف خاص، ثم أخرجت ما اجتمع منها أول الأمر في نسخ عدة، ووزعتها على من طلبها من الخاصة، ثم أصبحت المجموعة متداولةً بين الأصدقاء من محبي الشعر، وتناقلها عدد من نواب مجلس الأمة بغرض اقتباس بعض الشواهد الشعرية منها في ندواتهم ومهرجاناتهم الخطابية، ثم تركتها لفترة طويلة ولم أفكر في نشرها. ومنذ فترة قريبة، أعاد لي أحد الأصدقاء نسخة منها، وسألني عن عدم إخراجها ككتاب ونشرها؛ لأن هناك العديد من القرّاء يحبّون هذا النوع من الشعر، فكان دافعا لي لإعادة النظر في نشرها فقمت بالبحث والتصحيح والتهذيب ومراجعة الاختيارات لتصلكم في هذه الحلة التي أرجو أن تكون مميزة".

حسنا فعل العتيبي بهذه الخطوة التي ستساهم في عودة الروح لفن الحماسة. والحماسة مصطلح عربي قديم، يقابل ما يطلق عليه في عالم المصطلحات الأدبية حاليا فن الأنثولوجيات، (وهي بالمناسبة تختلف عن الانطولوجيات). أما مضمونها الشعري فسيستعيد بدوره الاهتمام لهذا النوع من القصائد التي راجت في مرحلة ما من تاريخنا العربي المعاصر، وهي المرحلة التي شهدت الثورات الوطنية ضد الاستعمار وتداعياتها اللاحقة. ما يجعلنا نتساءل ونحن نقرأ قصائد هذا الكتاب عن الفرق ما بين ما يمكن تسميتها القصائد السياسية والقصائد الوطنية لنبحث عن الخيط الرفيع الدقيق بينهما! فالقصائد التي اصطلحنا على تسميتها القصائد السياسية ليست بالضرورة مما يمكن تسميتها القصائد الوطنية، والعكس صحيح، على الرغم من أن المشتركات بينهما كثيرة جدا، ليس في قصائد هذا الكتاب وحسب، بل في كل القصائد التي تندرج تحت هذين العنوانين الكبيرين.

ومن الواضح أن جامع قصائد كتاب "سياسيات" اعتمد على ذوقه الشخصي في اختيار محتواه، وهو ما أشار إليه هو بنفسه في مقدمته، وهو ما يفسّر استبعاده كل القصائد الجميلة والشهيرة في هذا الباب، مما كتب في إطار شعر التفعيلة أو الشعر الحر عموما، ومنها على سبيل المثال قصيدة أمل دنقل "مقتل كليب"، والتي اشتهرت بين القراء العرب بعنوان "لا تصالح". وإن كان يمكننا الإشارة هنا الى قصيدة بور سعيد لبدر شاكر السياب، باعتبارها تزاوج ما بين العمودي والتفعيلة في بنائها العام، ويبدو أن العتيبي تساهل في إدراجها ضمن سياسياته لهذا السبب.

لهذا، لا يمكن النظر إلى "سياسيات" باعتباره مجرّد جمع وتقديم كما قد يبدو، بل هو بالإضافة إلى ذلك خيار حر وحقيقي لمؤلفه، ينبئ عن مواقفه السياسية والشعرية أيضا.. ولعل هذا مما يضفي عليه قيمة إضافية، تجعل منه إضافة حقيقية وجميلة للمكتبة العربية.

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.