سدّ النهضة .. أين حلفاء السيسي؟
لو كان هناك مَن يفكّر في أوساط قيادة النظام المصري، لكان توقف عند تخلي الحلفاء عن القاهرة، منذ تبيّن أن موضوع سد النهضة الإثيوبي جدّي للغاية. استغاثت السلطة في مصر فلم تجد حلفاءها: لا أتى الدعم من السعودية ولا من الإمارات ولا من إسرائيل، مع أن الظروف كانت تسمح بتدخل فاعل من هؤلاء لو توفر القرار السياسي لديهم. وللدقة، صدر الدعم من هؤلاء، لكنه توجه نحو الطرف الآخر، نحو إثيوبيا، في العامين الماضيين تحديداً، بدل أن يكون لمصر. والبَلَدان الخليجيان يملكان كل ما يلزم لممارسة الضغط المالي على إثيوبيا، لو أرادا تعزيز موقع القاهرة في المفاوضات. السعودية والإمارات ساهمتا في ترسيخ حكم آبي أحمد منذ وصوله إلى السلطة ربيع عام 2018. عملتا على إبرام اتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا، والتزمت أبوظبي بضخ 3 مليارات دولار في الاقتصاد الإثيوبي، وملياري دولار وديعة في البنك المركزي، ومليارين آخرين استثمارات مباشرة في الزراعة، ووصل التبادل التجاري غير النفطي بين الإمارات وإثيوبيا إلى نحو 850 مليون دولار، وتم الاتفاق على إرسال 50 ألف عامل إثيوبي إلى الإمارات. أما السعودية، فسعت إلى تعويض تأخرها في السباق لكسب النفوذ في إثيوبيا ومنطقة القرن الأفريقي عموماً، وقد قدمت نهاية 2019 قرضين بقيمة 140 مليون دولار لأديس أبابا على أمل أن تصل قيمة الاستثمارات السعودية في إثيوبيا إلى 13 مليار دولار، بحسب تصريحات منسوبة للقنصل العام الإثيوبي في جدة، مروان بدري، علماً أن الاستثمارات السعودية الحالية في ذلك البلد الأفريقي تبلغ نحو 6 مليارات دولار. لم يتم توظيف ذلك كله ضغطاً على أديس أبابا، ولا تم الاستناد إليه لإطلاق وساطة إماراتية ــ سعودية ما بين الطرفين، لعل إثيوبيا توافق على زيادة الحصة المائية لمصر. أما إسرائيل، فعلاقاتها استراتيجية دينية اقتصادية عميقة مع إثيوبيا، وهي تخطو خطواتها في الإطار العسكري لكي تحمي منظومة صواريخ إسرائيلية إنشاءات سد النهضة لدى اكتماله.
الأهم في الدعم الخليجي السخي لإثيوبيا، أنه صدر في عز تفرُّد أديس أبابا بموضوع سد النهضة، وتحديداً منذ عام 2018، أي في الفترة الفاصلة بين الاستسلام المصري المسبق، والذي ترجمه توقيع عبد الفتاح السيسي على اتفاق المبادئ (2015)، ثم لاحقاً افتعاله مسرحيته السمجة في 2018 بالطلب من آبي أحمد أن يقسم بالعربية بألا يتسبب بالضرر لمياه مصر!
إذن، استفادت إثيوبيا من الحلم السعودي ــ الإماراتي بفعل المستحيل لقطع الطريق أمام نفوذ خصومها ــ أعدائها (إيران وقطر وتركيا) في منطقة القرن الأفريقي. هنا تحالف مصالح بين السعودية والإمارات من جهة، وإثيوبيا من ناحية ثانية، أما هناك، في علاقة البلدين الخليجيين مع مصر، فتبعية لا تحالف. وللتبعية في منطق المسؤولين السعوديين والإماراتيين أمثلة من الإهانات والإذلال: حادثة سعد الحريري في الرياض شكلت الذروة. قبلها وبعدها، تحضر إلى الذهن قصص عبد ربه منصور هادي، حيناً بالكلام عن إقامة جبرية مفروضة عليه في العاصمة السعودية، وأحياناً بطرد وزراء ومسؤولين يمنيين تجرأوا على انتقاد العبث المتمادي للسعودية وللإمارات في بلدهم.
لا مكان للتحالف في معجم حكام أبوظبي والرياض. إما أن يكونوا تابعين أو متبوعين. التخلي عن نظام السيسي في قضية سد النهضة مثال جديد. لا الأمن المائي لمائة مليون مصري يشغل بال هؤلاء، ولا هِبة النيل تعني لهم شيئاً أمام رحلة البحث عمن يمكن تحريضه ضد قطر وتركيا وإيران، حتى ولو كان ذلك ثمنه التخلي عن الحليف المصري في محنته. ووفق منطق حلفاء القاهرة، ستهدأ أزمة السد قريباً، وتُطفئ مياه البحر المحلاة باستثمارات سعودية وإماراتية الغضب المصري. أما إسرائيل، فجدير تذكّر أن حكامها لم يقابلوا طرفاً عربياً واحداً تودّد إليهم مجاناً، بأي علاقة ندّية محترمة.