"ساعات ساعات" تلخّص أزمة لبنان

28 مارس 2023

برج الساعة في منطقة الجديدة في بيروت (26/3/2006/فرانس برس)

+ الخط -

قد تكون الأغاني اللبنانية، والعربية عموما، عن الوقت والساعات كثيرة ومتعدّدة، لكن ما يصف واقع اللبناني المنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بعد اتّخاذ قرار بتأجيل بدء العمل بالتوقيت الصيفي، يمكن اختصارُه بأغنية "ساعات ساعات" للراحلة صباح.
في قرار استثنائي، أعلن الأمين العام لمجلس الوزراء اللبناني، القاضي محمود مكي، يوم الخميس 23 مارس/ آذار "تأجيل تطبيق قرار مجلس الوزراء رقم 5 المتعلق بتقديم التوقيت المحلي، بحيث يتمّ تقديم الساعة ساعة واحدة اعتبارًا من منتصف ليل 20-21 نيسان 2023 بدء العمل بالتوقيت الصيفي لهذا العام استثنائيًا". اعتبر بعضهم هذا القرار مستفزًا، وجاء بتوصية من رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وأثار انتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وانهالت التعليقات في الشارع اللبناني الذي أخذ طابع الانقسام الطائفي مجدّدًا، بين مؤيد ورافض، فعلى سبيل المثال، أعلن المكتب الإعلامي في الصرح البطريركي في بكركي، في بيان إن "القرار المفاجئ بتأجيل العمل بالتوقيت الصيفي لمدة شهر، الصادر عن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ارتجاليًا ومن دون أي اعتبار للمعايير الدولية، لهذا لن يتم الالتزام بما جاء على لسان ميقاتي".
ونشرت وسائل إعلام لبنانية وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مشهد فيديو يظهر برّي يفتتح حديثه مع ميقاتي حول موضوع تأجيل تقديم الساعة إلى ما بعد شهر رمضان، إلا أن ميقاتي رفض بحجّة أن هذا الموضوع سيُحدث مشكلات ويؤثر على حركة الطيران، لكنهما عادا واتّفقا معًا على ضرورة تأجيله حتى أواخر شهر إبريل/ نيسان. وتبيّن أن مؤسسات وشركات كبرى تجارية ومالية وصحية لن تلتزم بقرار الرئيس ميقاتي، إرجاء العمل في التوقيت الصيفي شهرًا كاملًا، لفعل استحالة تطبيقه عمليًا وتقنيًا، ولأنه أتى عشوائيًا بلا أي مرتكز فنّي أو عملي.

لم يُعمل في لبنان على بناء الهوية الوطنية التي يجب أن تعلو فوق كل المصالح الطائفية

بغضّ النظر عن مدى تأثير القرار على حركة الطيران أو ما شابه، أخذ الموضوع منحىً طائفيًا تمامًا كما سائر القضايا التي يمرّ بها هذا البلد، فقد تصدّرت اللغة الطائفية في هذه الأيام مجمل الأحداث في لبنان، لتذهب أبعد مما هو توقيت في الساعة، إلى المطالبة بالتقسيم لهذا البلد على أساس الفيدرالية أو في أحسن الأحوال اعتماد قانون اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة.
بالأمس القريب وليس بفترة بعيدة عن هذا القرار، تحديدًا في 12 مارس/ آذار في ملعب فؤاد شهاب في منطقة جونية ذات الأغلبية المسيحية، وقع إشكالٌ خلال المباراة النهائية لبطولة كرة القدم بين ناديي العهد والأنصار أدّى إلى تكسير الملعب، الأمر الذي كاد أن يُحدث صدامًا طائفيًا. 
تقول صباح في أغنيتها "غريبة غريبة دقة الزمن، وغريبة غريبة لعبة الساعات"، فعلًا غريبة عند اللبناني هي دقّة الزمن ولعبة الساعات التي في كل لحظة تدقّ ناقوس الانقسام العمودي منذ الاستقلال عام 1943، حيث كرّست الأعراف توزيع المناصب بحسب الطوائف. لم يُعمل في لبنان على بناء الهوية الوطنية التي يجب أن تعلو فوق كل المصالح الطائفية، بل جلّ ما فعله المسؤولون أنهم كرّسوا الانقسام على أساس الطائفة، فكانت التعيينات والتوظيفات والقرارات.  ولم يعد مستغربًا أن يأخذ موضوع تأجيل تقديم الساعة منحى الصراع الطائفي في البلد، كما سائر القضايا. لهذا، تتجلى المشكلة الأساسية في لبنان ليس بلعبة الساعات من خلال تقديمها أو تأخيرها، بل في أنها مشكلة عميقة متجذّرة في الانقسام الطائفي فيه.

العقدة في انتخاب رئيس للبلاد برزت من خلال تمسّك الثنائي الشيعي بإيصال سليمان فرنجية إلى سدّة الرئاسة

قد يضع بعض المتابعين عقدة انتخاب رئيس للبلاد على الخارج، ولهذا بنوا الآمال على الاتفاق الذي حصل بين إيران والسعودية، وأصرّوا على أن الحلّ يبدأ من هذا الاتفاق، إلا أن ما قاله وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، من أن الحلّ لبناني، هو عين الصواب، فالعقدة في انتخاب رئيس للبلاد برزت من خلال تمسّك الثنائي الشيعي بإيصال سليمان فرنجية إلى سدّة الرئاسة، بينما الكتل المسيحية الكبرى المتمثلة بالقوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ تصرّ على إيصال رئيس ذي تمثيل مسيحي واسع. لهذا، هم يعارضون الموقف الثنائي المتصلّب في تسمية فرنجية، الأمر الذي دفع رئيس مجلس النواب إلى إقفال باب المجلس، ومنع عقد جلسات انتخاب، إلى حين التوصل إلى اسم جدّي مقبول من أغلبية الأفرقاء، قادر على تأمين نصاب الثلثين حول اسمه.
قد يجد اللبناني "الحجّة" بموضوع الساعة أو بغيرها لتتكشّف مكنونات نفسيّته التي تتغذّى من الطائفية، لهذا سيجد نفسه يطالب بالتقسيم على أساس النظام الفيدرالي، فإن لم يتمّ إلغاء الطائفية من النفوس والنصوص، فعبثًا سيبني البنّاؤون هذا الوطن. لهذا نقول "بدل أن يسير هذا البلد المتعثر والمنهار في مختلف القضايا مثل الساعة، ترى للأسف موضوع تقديم الساعة أو تأخيرها يراقصه على حافة الوقوع في الطائفية ويضعه أمام شبح حربها من جديد"، وكأن اللبناني لم يتعلم من حربه الأهلية، فهو حاضرٌ لأن يعيد مشهديتها، ولأي سبب.