دوامة الحرب والمفاوضات

14 يونيو 2024
+ الخط -

لم نعد نذكر عدد المرّات التي أقيمت فيها مفاوضات لوقف إطلاق النار في قطاع غزّة، وعدد المرّات التي انتهت فيها المحادثات إلى حائطٍ مسدود، لتستمرّ آلة القتل في حصد مزيد من الأرواح. المفارقة أن كل المفاوضات كانت تقف عند عقدةٍ واحدة، لم تتغيّر المواقف منها في أيٍّ من الجولات أو المقترحات. ومع ذلك، يتم الدخول مجدّداً في دوامة التفاوض، لترتفع الآمال، في غزّة وخارجها، بإمكان وقف حرب الإبادة، ولو مؤقتاً، ليتمكّن أهالي القطاع من التقاط أنفاسهم، وتلقّي مساعدات تحميهم من التجويع الذي يعيشونه.

"إنهاء الحرب"، عنوان الخلاف الدائم في الجولات الكثيرة السابقة من المفاوضات، وهو نفسه موضوع الخلاف الذي يبدو أنه سيؤدّي إلى انهيار الجولة الحالية. تتمسّك حركة حماس بهذا المطلب باعتباره أساسياً للموافقة على أي عرضٍ لتبادل الأسرى، ومعه الانسحاب الإسرائيلي من المناطق التي احتلها في قطاع غزّة. في المقابل، يرفض رئيس حكومة الاحتلال، ومعه وزراء حكومة الحرب، هذا الطلب، ويصرّون على أن أي اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى سيكون مؤقتاً مهما امتدّ، وأن الحرب ستُستأنف في اللحظة التي تنتهي فيها مراحل تطبيق الاتفاق، باعتبار أن الأهداف التي وضعتها إسرائيل لهذه الحرب لم تتحقّق بعد، أي القضاء على حكم "حماس" في قطاع غزّة، خصوصاً أن الحركة أثبتت قدرة تنظيمية كبيرة، فلم تتمكّن كل الضربات الإسرائيلية من تفكيك اللجان المحلية في مناطق غزّة، إذ كانت تعاود الظهور فور الانسحاب الإسرائيلي من هذه المنطقة أو تلك.

خلفية موقف "حماس" قائمة على فكرة أن لا جدوى من وقفٍ مؤقتٍ للقتال، يتم خلاله تسليم ما لديها من أسرى لإسرائيل، وهم الورقة الأساسية التي تملكها الحركة حالياً للتفاوض، على أن تُستأنف الحرب بشراسة أكبر بعد إغلاق ملفّ المحتجزين الإسرائيليين، من دون أي أفقٍ للتفاوض على إنهاء الحرب قبل تحقيق إسرائيل أهدافها. فخلال الشهور الثمانية الماضية لم تُلق إسرائيل بالاً لوجود أسراها في قطاع غزّة، ولم تتوان عن قتل بعضهم، فكيف سيكون عليه الحال إذا أطلقتهم "حماس".

ورغم أن مبادرة الرئيس الأميركي الشفوية تحدّثت عن إنهاء الحرب، فإن ما قُدّم كتابياً جاء مختلفاً، واقتصر على مراحل من وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى "يؤدي إلى نهاية الحرب"، وهو أمر غير مؤكد.

هناك أيضاً الخلاف على "اليوم التالي"، والذي لا تنوي إسرائيل وقف الحرب قبل الاتفاق عليه أو إيجاد صيغة تخرج "حماس" منه، وهو ما ترفضه الحركة. وقد أثبتت مجريات الحرب خلال الشهور الماضية أن لا وجود لقوة حالياً قادرة على إدارة قطاع غزة غير "حماس"، فيما سقطت كل الأفكار التي كان من المفترض أن تشكل بديلاً لذلك، فحتى السلطة الفلسطينية، في حال تم تسليمها القطاع، وهو ما ترفضه إسرائيل، لن تكون قادرة على الحكم من دون التنسيق مع "حماس"، على الأقل في المرحلة الأولى. كذلك جاءت فكرة إشراك قوات عربية في إدارة القطاع أمنياً، وهي سرعان ما تراجعت بعد رفضها من الحركة الإسلامية، إضافة إلى صعوبة ممارسة هذه القوات دورها في منطقة غريبة عليها.

لا شيء واضحاً حالياً بالنسبة إلى تصوّر "اليوم التالي"، أو شكل الحكم في قطاع غزّة بعد الحرب، والذي ترتبط به كل الملفات الأخرى العالقة أيضاً، من مساعدات أو تعويضات أو إعادة إعمار، وهي أيضاً من القضايا محل الخلاف في جولات المفاوضات.

في ظل عدم الوضوح هذا، لا معنى حالياً لمفاوضات باتت نتائجها معروفة سلفاً، والكلّ ينتظر لحظة إعلان انهيارها، لتبدأ مفاوضات غيرها تنتهي إلى النتائج نفسها، في وقت تستمرّ فيه إسرائيل في حرب الإبادة التي أصبحت على شفير الانتقال إلى جبهات أخرى.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".