تهديد لبنان... "هيبة الردع"

07 يونيو 2024
+ الخط -

تصاعدت خلال الأيام الماضية حدّة المواجهات على جبهة لبنان وفلسطين المحتلة، بعد تكثيف حزب الله ضرباته الصاروخية في مقابل توسيع دولة الاحتلال مدى غاراتها واستهدافاتها في الداخل اللبناني. ومع هذه التطورات، انتشرت أخبار بين اللبنانيين حول نية إسرائيل توجيه ضربة كبيرة للبنان خلال شهر يونيو/ حزيران الحالي، وتحديداً في منتصفه، ما أثار موجة كبيرة من الهلع بين المواطنين الذين بدأ بعضهم في تخزين المؤن تحسّباً لما يمكن أن يحدث.

وجاءت التصريحات الإسرائيلية خلال الأسبوع الماضي لتزيد، بالنسبة إلى اللبنانيين، احتمالية حدوث مثل هذه الضربة، خصوصاً أن التهديدات أتت من أعلى المستويات في إسرائيل، مثل رئيس الأركان هرتسي هليفي الذي أشار إلى أن دولة الاحتلال تقترب "من نقطة القرار" بالنسبة إلى التعامل مع الوضع على الحدود مع لبنان. ويأتي كلام هليفي بعدما كان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو زار المنطقة الحدودية الشمالية، وهدّد بأن إسرائيل جاهزة لشن عملية مكثفة جداً ضد لبنان.

رغم هذه التهديدات المتصاعدة والوتيرة المرتفعة للمواجهات، تبقى معطيات شنّ إسرائيل عدواناً واسعاً على لبنان غير متوفرة، سواء داخلياً في دولة الاحتلال، أو خارجياً، وهو ما يدركه المسؤولون الإسرائيليون قياساً على المسار الذي مضى فيه العدوان على قطاع غزّة خلال الشهور الثمانية الماضية.

أظهر هذا المسار، أي الحرب على قطاع غزّة، أن إسرائيل ما كان بإمكانها الاستمرار في هذا العدوان طوال هذه المدة من دون جسر الإمدادات بالأسلحة الذي أمنته لها الولايات المتحدة، ومعها بعض الدول الغربية. وهو جسر تراجعت دول عديدة عن المشاركة فيه بعد المجازر التي ارتكبتها دولة الاحتلال في قطاع غزة، وهي بالتأكيد لن تشارك فيه في حال أقدمت إسرائيل على شنّ عدوان على لبنان. وحتى الولايات المتحدة بدأت في مراجعة شحنات الأسلحة إلى إسرائيل بعد تعنت نتنياهو في التعاطي مع مطالب الإدارة الأميركية، وبعد الكشف عن استخدام أسلحة أميركية في الجرائم المرتكبة في قطاع غزّة، وآخرها مجزرة رفح.

يدرك المسؤولون العسكريون الإسرائيليون هذا الواقع، ويعلمون أن أي مواجهةٍ مع حزب الله في لبنان ستحتاج إلى أضعاف كميات الذخيرة التي استخدمتها إسرائيل في قطاع غزّة، والتي لم تؤد فعلياً إلى حسم الحرب ضد حماس، وحتى لم تمنع سقوط الصواريخ المطلقة من القطاع على مناطق مأهولة في إسرائيل. وهم يعلمون أيضاً أن ترسانة الصواريخ التي يمتلكها حزب الله اللبناني أكبر بكثير من تلك الموجودة لدى الفصائل الفلسطينية، سواء من حيث الكم أو النوع، وبالتالي فإن منظومة القبة الحديدية لن تكون كافية وحدها لصد رشقات حزب الله، وستحتاج إلى تدخل غربي مباشر كما حدث في القصف الإيراني لإسرائيل قبل شهرين، وهو أمر غير مضمون حالياً.

موجة التعاطف العالمي مع إسرائيل بعد عملية 7 أكتوبر لم تعد موجة، بل على العكس، انقلب الرأي العام العالمي عموماً، والغربي خصوصاً، ومعه بعض الحكومات الأوروبية، على إسرائيل تماماً، وأي عدوان إضافي تشنه دولة الاحتلال سيزيد العزلة الدولية التي باتت الدولة العبرية موجودة فيها فعلياً.

يضاف إلى ذلك وضع الجبهة الداخلية الإسرائيلية، والتي أضحت مستنزفة اقتصادياً من طول مدّة الحرب، خصوصاً مع تراجع المساعدات الاقتصادية الأميركية لدولة الاحتلال، وهي بالتأكيد غير جاهزة لحربٍ جديدة ستعرض المدن والبلدات الإسرائيلية لمخاطر أكبر مما هو قائم حالياً، أو الذي كان قائماً في بداية العدوان على غزة.

معطيات كثيرة تفيد بأن التهديدات الإسرائيلية للبنان ليست جدّية، وهي محاولة من محاولات حكومة الاحتلال لاستعادة "هيبة الردع"، لكنها لا تبدو ناجحة.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".