لبنان: مواسم العنصرية
تقفز بين الفينة والأخرى قضية اللاجئين السوريين لتتصدّر المشهد السياسي والاجتماعي اللبناني. باتت الأغراض معروفة، تتقدّمها محاولة ابتزاز الغرب لحصول لبنان على مزيد من الأموال مقابل استضافة اللاجئين السوريين، خصوصاً في ظل انعقاد مؤتمر المانحين في بروكسل، والذي خصّص 560 مليون يورو لدعم اللاجئين السوريين في سورية ولبنان والعراق والأردن. لكن هذا الرقم لم يعجب السلطات اللبنانية التي وصفت مقرّرات المؤتمر بـ"المخيّبة"، على الرغم من أن هذه المساعدات تضاف إلى مليار يورو أقرّتها رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، خلال زيارتها بيروت مطلع مايو/ أيار الحالي، والتي ربطتها بـ"التعاون الجيد" من أجل مكافحة عمليات تهريب اللاجئين انطلاقاً من السواحل اللبنانية.
جاء الرد على هذه الرغبة الأوروبية من الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، والذي دعا إلى "فتح البحر" أمام اللاجئين السوريين، بهدف الضغط على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للمساعدة على إعادتهم إلى بلدهم. لكن نصرالله تناسى دور حزبه في تهجير كثيرين من هؤلاء اللاجئين، وتجاهل أن كثيرين منهم لا يستطيعون العودة بسبب احتلال الحزب قراهم، خصوصاً في منطقة القلمون. قد يكون من المفيد لو يساهم الحزب في جهود التحضيرات لهذه "العودة" عبر الانسحاب من المناطق التي يحتلّها، ليتسنّى لأهلها العودة إليها طوعاً، بدل المقترحات التي قد تورّط لبنان بعقوبات دولية.
جاء مقترح نصر الله هذا في إطار التعليق على ما تُسمّى عمليات "العودة الطوعية" التي استأنفتها السلطات اللبنانية، إذ أعادت مئات اللاجئين منذ مطلع شهر مايو/ أيار الحالي، بعد توقف أكثر من عام ونصف العام. ومن المرجّح أن تزداد وتيرة هذه العمليات بعد التحفّظ اللبناني على اجتماع بروكسل، إذ كان التعويل على مساعداتٍ أكبر، ليس للاجئين السوريين، بل للمساهمة في قليل من الإنعاش للاقتصاد اللبناني المتداعي. وقد كان هذا الإنعاش يحصل على مدار السنوات الماضية، إذ إن جزءاً من منع الانهيار الاقتصادي الكامل كان أموال الدعم التي يحصل عليها اللاجئون السوريون، سواء من الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، والتي كانت ولا تزال تصرف، في معظمها، في الداخل اللبناني، بسبب انقطاع صلة لاجئين كثيرين ببلدهم الأم بعدما هربوا من بطش نظامه. إضافة إلى ذلك، لا يمكن تجاهل دور العمّال السوريين، لاجئين كانوا أو غير لاجئين، في إبقاء عجلة الاقتصاد دائرةً في لبنان بعد الهجرة الكبيرة للمواطنين اللبنانيين التي ترافقت مع الأزمة الاقتصادية، وبالتالي، سيكون لغيابهم تأثير سلبي على ما تبقى من صناعة وزراعة في البلاد.
تدرك السلطات اللبنانية والأحزاب التي تدور في فلكها هذا الواقع، لكنها مصرّة على التغاضي عنه وشيطنة اللاجئين السوريين، ورمي كل أزمات لبنان على كاهلهم، مستفيدة من ممارساتٍ إجراميةٍ يقوم بها بعض السوريين الذين قد لا يكونون لاجئين بالأساس، وهو ما تنجح فيه عبر تأجيج حملاتٍ عنصريةٍ ضد السوريين عموماً، واللاجئين خصوصاً. اللافت في الأيام الماضية أن هذه الحملات خرجت من الجغرافيا اللبنانية إلى أوروبا، حيث نظّم لبنانيون، ربما كان بعضهم لاجئاً سابقاً من الحرب اللبنانية، تظاهرة بالعاصمة البلجيكية للمطالبة بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.
مؤكّد أن سوريين كثيرين موجودين في لبنان، وحتى المستقرّين في دول أوروبية، يتمنّون العودة إلى ديارهم في حال توفّرت المقومات الحقيقية لهذه العودة، وهو أمر غير موجود حالياً باعتراف رئيس النظام السوري بشّار الأسد الذي أكّد، في مقابلة العام الماضي، أن البنى التحتية في سورية عير مؤهّلة لعودة اللاجئين، وأن نظامه غير قادر على توفير "أساسيات الحياة" للعائدين. لم يتغيّر هذا الحال، بل ازداد سوءاً.