"حماس" والنظام السوري .. عين المنطق

02 يوليو 2022
+ الخط -

استفظاع قرار حركة حماس إشهار عودة علاقاتها مع النظام السوري إلى سابق عهدها، أي إلى ما قبل الخلاف حول الثورة السورية، يعبّر عن رغباتٍ لا علاقة للواقع فيها لدى المستفظِعين. رغبات لا تستوي مع فهم هوية الحركة وتاريخها وحاضرها. الهوية والحاضر والماضي جميعها تؤدي إلى نتيجة واحدة: المنطق يتحقق في أن تكون "حماس" والنظامان السوري والإيراني وحزب الله في جبهة واحدة. وغير الطبيعي واللامنطق أن تكون على خصومة أو عداء مع أي من أطراف التحالف الثلاثي. أما اعتبار خلاف مؤقت بين الحركة الفلسطينية وحكام دمشق بمثابة طلاق لا عودة عنه، فإنما في ذلك رومانسية تنسج أحلام رؤية حركة مسلحة إسلامية عربية تضع حريات الشعوب وحقوقها فوق الحاجة إلى السلاح والمقرّ، تقدّم الاستراتيجي على التكتيكي، المبدأ على المصلحة، وتُعلي من شأن كرامة الأفراد على فخامة شعار المقاومة، وتعيد الاعتبار للمقدس الوحيد الجدير بصفة القداسة: حق الناس في العيش والتفكير بحرية في أرضهم بلا اعتقال ولا تعذيب ولا وصاية على العقل والجسد. وحركة حماس لم تكن يوماً فرداً من عائلة سموّ الإنسان وحريته. حرية الناس بالنسبة إليها مجرّد ترف عندما لا يتعلق الأمر بمحاربة إسرائيل. حتى في عزّ الخلاف مع النظام السوري في العقد الماضي، ظل تعزيز التحالف مع حزب الله والنظام الإيراني هدفاً علنياً منشوداً بالنسبة لقيادة الحركة. قيل الكثير عن اختلاف حقيقي بين قيادتي غزة والخارج حيال شكل العلاقة مع ذلك التحالف الرباعي، لكن في حركات وأحزاب شمولية مثلما هو حال "حماس"، يصبح الحديث عن تمايزات من هذا النوع تضييعاً لوقت المتحدّثين، وسفسطة شبيهة بثرثرة التباين حول الثورة الدائمة وتصدير الثورة بين اللينينيين والتروتسكيين في زمن مضى. فعند حركة دينية مسلحة غير معنية سوى بالقتال وبالحكم مثل "حماس"، تكون الكلمة الأخيرة للسلاح وللمصلحة وللأيديولوجيا. السلاح وما يستتبعه من مصلحة يوجّهان البوصلة نحو طهران ودمشق وحارة حريك. أما في الأيديولوجيا، فإنها لن تجد أفضل من أركان هذا التحالف ممن يشبهونها وتشبههم: التحرر والديمقراطية يطيحان أنظمة الظلامية وأحزابها وتنظيماتها.

طيلة سنوات العقد الماضي، لم تنقطع علاقات "حماس" ودمشق. صحيحٌ أن الحركة خرجت من سورية وخسرت المقر والتسهيلات هناك، إلا أن الصلة الوثيقة بالأصلَين، إيران وحزب الله، ظلت وطيدة. لم توفر الحركة مناسبة إلا ولجأت إليها لتغازل ممانعة الأسد. لم تترك فرصة إلا واستغلتها لتمجيد قتلى إيران ولتقديس صور قاسم سليماني وإعادة إحياء ظاهرة انتشار أعلام حزب الله وصور حسن نصر الله في القطاع. لقاءات قادة الحركة في بيروت مع قيادة الحزب لم تنقطع يوماً، كذلك التعاون الأمني والعسكري، ولا توقفت زياراتهم إلى طهران. ظلّت العقدة في العودة الرمزية من الباب العريض إلى دمشق. هناك، كل شيء يُحسب برمزيته. ورمزية تصريحات خالد مشعل وإسماعيل هنية عند بداية الثورة السورية كانت كبيرة جداً بالنسبة للعقل البعثي الحاكم. كان مطلوباً صدور اعتذار رسمي لا لبس فيه عن الانحياز الحمساوي المؤقت إلى صفوف الشعب السوري، لكن الرسائل كانت توجه في كل مرة من "حماس" إلى الأصل في طهران وضاحية بيروت لا إلى الفرع في دمشق.

من أجل حفظ جزء من ذاكرة فلسطين وسورية والمقاومة و"حماس" ونظام الأسد، جدير التذكير بما تعرفه قيادة الحركة جيداً عن آخر أرقام صدرت عن "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية" التي تتخذ من لندن مقراً لها: عدد القتلى الفلسطينيين في سورية منذ اندلاع الثورة حتى مارس/ آذار 2021 (أي أنها حصيلة لا تشمل ضحايا مجزرة حي التضامن)، بلغ 4048 فلسطينياً، بينهم 488 لاجئة. 1472 ضحية قضوا من أبناء مخيم اليرموك وحده. 1220 لاجئاً قضوا بسبب القصف، و1079 قُتلوا بطلق ناري، و620 فلسطينياً ماتوا تحت التعذيب في معتقلات النظام. 1800 فلسطيني، بينهم 110 سيدات، لا يزالون معتقلين لدى أفرع الأمن والمخابرات التابعة للنظام.

مصالحة مباركة.

أرنست خوري
أرنست خوري
مدير تحرير صحيفة "العربي الجديد".