حسن نصر الله الذي "كلّفه الله" حماية لبنان

01 سبتمبر 2022
+ الخط -

الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، ليس أول من يدّعي النبوة، عندما يعلن أن الله هو الذي "كلّفه" حماية لبنان. ولا ضرورة لأن تبحث في التراث أو التاريخ لتجد أقرانه. إنما في الزمن المعاصر هذا، هناك عديدون سابقون عليه، عديدون من الأسلاف. الذي يختلف هو البوح، العبارات، النبْرة، درجة الوضوح. 
أسامة بن لادن، زعيم "القاعدة" الإرهابي، يعلن أن هدفه "العمل بشرع الله". أو أبو بكر البغدادي، قائد "الدولة الإسلامية" (داعش)، في أول خطاباته، من الموصل، قال إن الله "أبلاه" بمسؤولية الخلافة والإمامة. أو قبلهما، يكتب المنظِّر الأكبر للإخوان المسلمين، سيد قطب، أن "حاكمية الله"، أي حكم الإخوان المسلمين هو الحكم الصالح الوحيد. أو حركة طالبان الحاكمة الآن في أفغانستان، والعاملة على تنفيذ أحكام شرع الله، بعدما طردت من أراضيها العاملين على غيره. وهذا غيْضٌ من فيْض عن حركات وأحزاب ومجموعات إخوانية، سلفية، جهادية... ولائحتها لا تنتهي.  
وبالانتقال الى مستوى "رسمي"، يحكم ملوك عرب "ينتسبون" إلى آل البيت، أو يدشّن أنور السادات عصر "الرئيس المؤمن"، يطلق الزبيبة على جبينه، دليلاً على خشوعه، ويطلق معها سراح الداعين إلى حكم الله. أو يقلّده صدّام حسين، فيلتقط الصور وهو ساجد، ويعلن انتسابه إلى آل البيت، بشهادة موثقة من رئيس "المجمع العالمي لآل البيت". بينما عائلات كبرى أو طامحة أو نافذة، على مرّ البلدان، تصنع شهاداتٍ عن سلالتها الشريفة، صكّاً يجيز لها أن تحكم.

أن يكون نصر الله مكلفاً من الله، ومعه كل هذا القوم من المكلفين، ولو بدرجات تعبير متفاوتة، فهذا يعني أنه يزاحمهم على تمثيل الله على الأرض

عندما ينصّب كل هؤلاء أنفسهم ممثلين لله على الأرض، بألسِنَة متفاوتة الصراحة، والأناقة الأدبية، ويحصل ذلك كله قبيل عهد نصر الله، أو خلاله، قبيل كلمته المأثورة "الله كلفني"، فهذا يعني أنه أمام معضلة، تخصّ المذهب السنّي الذي يخاصمه نصر الله، فأن يكون هو مكلفاً من الله، ومعه كل هذا القوم من المكلفين، ولو بدرجات تعبير متفاوتة، فهذا يعني أنه يزاحمهم على تمثيل الله على الأرض. 
وبذلك نكون أمام الإشكال الأول: عندما يكلّف الله حسن نصر الله المهمات التي يضطلع بها، يكون الله بذلك قد أعطاه الحق الحصري. وبذلك يكون غيره من "المكلَّفين" من فئة الكفار، تجب مقاتلتهم، فإما تكفيرهم، ومقاتلتهم... وإما الاستسلام لفكرة تعدّدية التكليف الإلهي. وفي الحالتين، نحن أمام فتنة إسلامية قديمة، تنام وتصحو، نبَّه إليها القرآن الكريم في سورات (جمع سورة) آل عمران والشورى والحجرات. الآن يغضّ نصر الله الطرف، لأن غرضه ليس فلسفياً لاهوتياً، بل مادي، سياسي تكْتيكي بحت.
لبنانياً، حصل، أخيراً، ما يمكنه أن يكون امتحاناً لهذا الإشكال. "الإخوان المسلمون" اللبنانيون، المعروفون باسم "الجماعة الإسلامية"، نظّمواً انتخابات مجلس الشورى (القيادة)، وفاز الجناح المقرَّب من حزب الله. و"الجماعة الإسلامية" لا تختلف عن حزب الله بعقيدتها، باعتقادها، هي أيضاً، أنها مدعوّة إلى تطبيق شرع الله على الأرض، أي أنها هي أيضاً متصلة بالملائكة. اليوم تكْتيكْ، وغداً "يا فَكيكْ!"؟

لا عجب من أن نصر الله يعتقد نفسه مكلَّفاً من السماء، فكل من ينتصر على خصومه يعلن على طريقته مبعوثيته من الله

لكن الإشكال الأكبر في تكليف نصر الله هذا يكمن في المقلب الشيعي، فنصر الله لا ينفكّ يقول ويلحّ إن كل تعليماته آتية من الولي الفقيه الإيراني، من علي خامنئي، مرشد الجمهورية الإسلامية. ومعروفٌ أن هذا الأخير يأخذ أيضاً تعليماته من السماء، أي أن الله هو الذي كلّفه. حسناً. إذا كان التلميذ النجيب للجمهورية الإسلامية، الذي يستوحي كل شيء من المرشد المتصل بالله، فكيف يكون هذا التلميذ النجيب هو أيضاً على اتصال بالسماء؟ هل يعني ذلك أن هناك "اتصالَين" مع السماء، واحد من علي خامنئي، والثاني من حسن نصر الله؟ أم أن ثمّة قنوات ممدودة بين الأول، خامنئي، الثاني، نصر الله، تسمح للأخير بتلقّي تعليماته من الله؟ أم أن نصر الله يسجّل "استقلاله" عن إيران الإسلامية، فينشى قناته الخاصة مع الله؟
لا عجب من أن نصر الله يعتقد نفسه مكلَّفاً من السماء. كل غازٍ، كل من ينتصر على خصومه، كل من يعتقد أن الميزان شديد الاختلال لمصلحته.. يعلن على طريقته مبعوثيته من الله. ولكن ما المعنى الذي يضيفه نصر الله إلى هذه المقولة، بهذه "الصراحة"؟ ربما يعيد تأكيد "انتصاره"، استكباره، يعطي لفائض قوته زخماً، بعدما استولى على ملفّ استخراج النفط، وأطلق تهديداته اليومية بالحرب، فخافت إسرائيل.
وتجاه من هذا "الانتصار"؟ طالما أن "الله كلفه" بحماية لبنان؟ ليس تجاه إسرائيل. "الله كلفني ..." تعني أولئك اللبنانيين الذين اختار لهم نصر الله طريقة موتهم، وفضّل هذه الطريقة على تلك. وكأنه القدر، بل أقوى منه. أليست هذه "القوة" دليلاً على "التكليف"؟ ثم، ما الغاية من "كلفني الله"؟ بسيطة مثل قول صاحبها: ممنوع النقاش، المعارضة، الاحتجاج، تجاه أيٍّ من قراراتي. ممنوع القول بسلاحي، إلا دعماً ومدحاً. ذلك أنني أملك مفتاح القول الأخير، اتصالي مع الله، وبتفويضي في حماية هذه الأمة. ساعتها، لا يعود شيءٌ يهمّ. لا انتخابات، لا ماء، ولا كهرباء، ولا خصوصاً حياة البشر.. كله في سبيل تكريس إمامنا الأعظم، مرسل من السماء لـ"حمايتنا" من حياة وموت هانئين.