جرس إنذار في الأردن أم صافرة النجاح؟
تسبق انتخابات الاتحادات الطلابية في الجامعات الأردنية الانتخابات النيابية بثلاثة أشهر، ولعلّ من بركات لجنة تحديث المنظومة السياسية أن الأجواء والمناخات السياسية عادت إلى الجامعات، وشهدنا عودة الانتخابات الطلابية، التي كانت معطلة في كثير من الجامعات منذ وباء كورونا. وقد شهدت الانتخابات الجامعية اختباراً أولياً للعمل السياسي والحزبي (بخاصة للأحزاب الجديدة، المفترض أن تكون قادرة على المنافسة على المستوى الوطني) ومؤشّراً على الانتخابات المقبلة.
بالغ بعضهم باحتفائه أو تخوّفه من حصول الإسلاميين في الجامعة الأردنية، على مستوى قوائم الجامعة على نسبة تقارب 50%، لأنّ النتائج لم تكن شبيهة على مستوى القوائم الطلابية في الكليات، ولأنّ النتائج قد لا تكون شبيهة أيضاً للجامعة الأردنية في الجامعات الأخرى، ومن الضروري أن ننتظر ونراقب، لنحلّل المشهد بصورة أكثر ديناميكية وعمقاً.
بالعودة إلى انتخابات الجامعة الأردنية، التي تمثل الجامعة الأم وفي قلب العاصمة عمّان، هنالك ملاحظات وإشارات عديدة، في مقدّمتها أنّ الانتخابات شهدت عودة أقوى للتيار الإسلامي نسبياً، بالرغم من الضغوط السياسية والداخلية، لكن من الواضح أنّ الإسلاميين تمكّنوا من الاستثمار السياسي في العواطف الشعبية تجاه غزّة، وهو الأمر المتوقع حدوثه في الانتخابات النيابية، ولكن بما لا يؤدّي إلى تغييرات جوهرية كبيرة على الخريطة السياسية في البلاد، حتى وفق التقديرات الداخلية للإسلاميين أنفسهم، الذين لا يجدون من مصلحتهم (على المدى القصير على الأقل) أن يحققوا انتصارات ساحقة، في اللحظة الراهنة.
لم تستطع الأحزاب السياسية الجديدة، المفترض أن تنافس الإسلاميين في الانتخابات المقبلة، تحقيق نتائج نوعية واضحة في انتخابات "الأردنية" (دعونا ننتظر نتائج باقي الجامعات)، لكن هذا ليس مؤشّراً نهائياً على الانتخابات المقبلة، فما زال وقت للعمل على الحملات الانتخابية والبرامج من جهة، والمعادلة الجغرافية والاجتماعية مختلفة من جهةٍ ثانية، ومن الواضح أنّ الانتخابات الطلابية نبّهت إلى قضية مهمّة، وتتمثل في أنّ الأحزاب الجديدة القوية (بخاصة الميثاق وإرادة) في محافظات الوسط، تتنافس على القاعدة الاجتماعية نفسها، بينما تخلت للإسلاميين عن قاعدة اجتماعية واسعة، وهو ما لوحظ ليس في الجامعة الأردنية فقط، بل حتى في الجامعات الأخرى مثل مؤتة والهاشمية واليرموك في عملية الاستقطاب الجارية حالياً.
بالضرورة، لا يمكن إحداث تغيير فجائي في السلوك الانتخابي الطلابي، فقد اعتاد الطلاب الانقسام بين التيار الإسلامي والتيارات الجغرافية العشائرية (التي رعتها الدولة مرحلةً، ثم أصبحت أكثر استقلالية واهتماماً بالأبعاد العشائرية على حساب السياسية). لذلك لم يكن من المتوقع أن تتمكّن الأحزاب الجديدة من كسر هذه المعادلات بين ليلة وضحاها (وهذا ما توقعته في مقالٍ سابق هنا في "العربي الجديد")، ويمكن مع مرور الوقت أن تتنبّه الأحزاب إلى الفجوات والثغرات التي ظهرت في الانتخابات الطلابية وتستفيد منها، لأنّ خبرة الإسلاميين في الانتخابات واللعبة السياسية أصبحت كبيرة وعريقة، ولديهم قاعدة طلابية واسعة تمتلك شغفاً أيديولوجياً وسياسياً، وهي شروط لا تتوافر بالنسبة نفسها لدى الأحزاب الأخرى.
أعطت الانتخابات في الأردنية أوراقاً لصالح الدولة وجديتها في التحديث السياسية، ومشاركة الإسلاميين بهذه الكثافة بالتزامن مع قرار المكتب التنفيذي الجديد لجماعة الإخوان المسلمين المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة، علامة إيجابية وصحية لمصداقية العملية السياسية وشرعية اللعبة الديمقراطية في البلاد، وهو أمر لا يدعو إلى التخوف أو القلق، بل إلى الاحتفاء والشعور بالإنجاز، لأنّ مطبخ القرار وضع جزءاً مهماً وكبيراً من رصيده السياسي على عملية تحديث المنظومة السياسية، المفترض أن تكون مساراً آمناً نحو المستقبل، عبر التغيير التدريجي نحو حكومات حزبية برلمانية. وفي حال ظهور علامات مغايرة لجدية الدولة ومصداقية العملية الديمقراطية، في الانتخابات الجامعية أو النيابية المقبلة، سيكون الخاسر الأكبر الدولة نفسها، لأنّ هنالك عديداً من القوانين والسياسات والإجراءات والوعود التي تمّ إمضاؤها برسم نجاح العملية، ومن المفترض أنّها طريق باتجاه واحد لا رجعة إلى الوراء عنه، لأنّ كلفة ذلك ستكون كبيرة على علاقة الدولة بالمجتمع في المستقبل القريب، في أتون أزمة اقتصادية داخلية وفجوة ثقة ومخاطر إقليمية محيطة في البلاد، فلا بد من وجود حدّ أدنى من التماسك الاجتماعي والتوافق بين القوى واللاعبين السياسيين.