تنفيذ اتفاق غزّة وإن كان احتمالاً ضعيفاً

12 يونيو 2024
+ الخط -

أما وقد صار جو بايدن راغباً فعلاً في انتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، فإنما هذه فرصة لا تُعوَّض لمحاولة إنهائها بالفعل، ولكي يؤدّي الطرف الفلسطيني المقاتل ما عليه أن يؤدّيه في سبيل هذه الغاية، أي رمي الكرة في الملعب الآخر، والموافقة على مشروع الاتفاق المطروح بحسب شروحات الرئيس الأميركي وإضافاته التي عرضها في ظهوره التلفزيوني في الأول من يونيو/ حزيران الحالي، وقد صار الإعلان مكتوباً في قرار دولي أقرّه مجلس الأمن ووافقت عليه جميع دوله، ليل الاثنين (باستثناء روسيا كالعادة)، وهنا يكمن الفارق الكبير عن النصّ الذي وافقت عليه "حماس" في الخامس من مايو/ أيار الماضي ورمته تل أبيب في سلة المهملات. بايدن مستعجل لإنهاء الحرب لأسبابه هو، ولمصلحته الانتخابية، وفق منظوره المنحاز لإسرائيل حتماً، ولتسريع إنجاز تطبيع إسرائيلي ــ سعودي يتباهى فيه بوصفه درّة إنجازات السياسة الخارجية لولايته الأولى، لكنّ المهم أن الرجل، وهو الوحيد القادر على إرغام بنيامين نتنياهو وجيشه على أمرِ ما، يريد بالفعل إغلاق هذا الباب الذي يرتدّ عليه سلباً في استعداداته لانتخاباته المقبلة في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني.

أمام هذا الواقع، جدير على حركة حماس أن تعيد التفكير بمجموعة من النقاط بمنطق سياسي يدرك جيداً موازين القوى، ويعرف أن وقف الحرب، بالإضافة إلى أنه يقلّل من حجم الكارثة التي وقعت على الفلسطينيين وعلى قضيتهم، ربما يتيح إمكانية القيام بعمل سياسي فلسطيني داخلي هو الوحيد القادر على مواجهة كمّ الخطط التي تُطرح تحت العنوان العريض المسمّى "اليوم التالي" للحرب، أميركياً بشكل رسمي، وإسرائيلياً بشكل غير رسمي بما أن حكومة نتنياهو ليس لديها، حتى اليوم، ورقة مكتوبة تخبرنا كيف ترى مستقبل غزّة وعلاقتها معه وطريقة إدارته بالاحتلال المباشر أو بالوكالة، وبالتالي من قد يكون الوكيل الفلسطيني أو العربي أو الدولي؟

تقول "حماس" إنها لن توافق إلا على اتفاق يتضمّن وقفاً دائماً وشاملاً لإطلاق النار وانسحاباً إسرائيلياً كاملاً من القطاع. وتكمل الحركة في خطابها أنها لا تثق بالوسيط الأميركي ولا بنية إسرائيل وقف الحرب. الفكرتان تبطل واحدتهما مفعول الثانية، ذلك أن انعدام الثقة يبطل الحاجة لوجود الشروط. أما وأن الحركة تجاهر عن حقّ بأن حياة الإسرائيليين الرهائن في غزّة ليست أولوية لدى نتنياهو وعصابته، فإن هذه الحقيقة سبب إضافي لكي توافق على مشروع الاتفاق المعروض عليها، ذلك أنّ نتنياهو، برهائن أو من دونهم، يواصل حرب الإبادة، فلتتوقف الحرب لـ42 يوماً في مرحلتها الأولى وليُختبر إعلان بايدن المكتوب بأن يكون الانتقال تلقائياً بين المراحل الأولى والثانية والثالثة في حال جرى الالتزام بموجبات المرحلة الأولى.

لا شك أن القيادة السياسية للحركة تقرأ وتسمع وتتابع وتحلّل. وبالتالي، تدرك أن بايدن يريد التخلص من هذا الصداع عشية انتخاباته الرئاسية، وأنه بات واثقاً من أن الأهداف العسكرية للحرب استُهلكت، وأن القضاء على ما تبقّى من قوة حماس يمكن أن يُستكمل سياسياً فحسب، ومواجهة ذلك تقع على مسؤولية الحركة سياسياً لا عسكرياً، هي وبقية القوى الفلسطينية. إن كان العقل السياسي لـ"حماس" يدرك هذه البديهيات، فإن اللحظة الراهنة مناسبة للموافقة على النص المطروح. فإن قبلت "حماس" بالاتفاق، ما هو أسوأ شيء قد يحدُث إن تنصّلت منه دولة الاحتلال؟ ما هو أسوأ من استمرار الإبادة وهي مستمرّة أصلاً؟ في المقابل، هناك احتمال، مجرّد احتمال، بسريان الاتفاق وبانتهاء الحرب. مجرّد احتمال لكي تشتغل السياسة شغلها فلسطينياً بين المراحل الثلاث، فيتم الاتفاق الحقيقي على موقف وطني واحد براغماتي ذكي سياسي مستقل. مجرّد احتمال ليتسع الموقف السياسي الرسمي العالمي المؤيد لدولة فلسطينية حقيقية على حدود الرابع من حزيران 1967. مجرّد احتمال لتصبح إسرائيل مرذولة عالمياً أكثر. كلها مجرّد احتمالات نظرية ضعيفة لكن تحقّقها كلها يستحيل في خضمّ الحرب، وذلك كله يبقى أفضل من استمرار الحرب.

أما وأنّ أسوأ اتفاق أفضل من أنبل حرب، فإنّ وقف الإبادة اليوم قبل الغد سيكون مكسباً كبيراً، حتى وإنْ كان مجرّد احتمال.