ترويج السردية الإسرائيلية في طنجة
لا تستحي نخبُ الغرب من ترويج السردية الإسرائيلية عن ''طوفان الأقصى"، على الرغم من الثقوب التي تحيط بها من كل جانب، جديدها أخيرا ما أوردته صحيفة هآرتس الإسرائيلية بشأن تحقيق أُجري، كشف عن تعرَّض مدنيين إسرائيليين لإطلاق نار، بالخطأ، من مروحية تابعة للجيش الإسرائيلي في مناطق متفرّقة من غلاف غزة صبيحة السبت المعلوم.
وإذا كان ترويج السردية الإسرائيلية في منتديات الغرب ومنابره يبدو عاديا بالنظر إلى التحالف الاستراتيجي الذي يجمع القوى الغربية الكبرى بدولة الاحتلال، فإن القيام بذلك في مدينة عربية يطرح أكثر من تساؤل، ولا سيما مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، الذي خلف آلاف الشهداء والجرحى.
في هذا الصدد، احتضنت مدينة طنجة، أقصى شمال المغرب، نهاية الأسبوع الفائت، الدورة 15 لمنتدى ''ميدايز'' الذي ينظمه معهد أماديوس Amadeus (مركز تفكير قريب من السلطة). وقد شهدت هذه الدورة مشاركة رؤساء دول وحكومات ودبلوماسيين وبرلمانيين ومدراء شركات عالمية ورجال أعمال وباحثين في معاهد ومراكزِ تفكير، توزّعوا على ندوات وحلقات نقاش خُصّصت لتدارس القضايا ذات الصلة بالنزعات الانفصالية والإرهاب والأمن والاستقرار السياسي والاستقطاب والتعدّدية وغيرها. وفيما كان يُنتظر أن يتقيّد الضيوف بجدول أعمال الدورة، لم يتحرّج بعضهم من إبداء انحيازهم السافر للكيان الصهيوني في المجازر المروّعة التي يرتكبها بحق المدنيين الأبرياء في غزّة. ومن ذلك ما قاله المدير السابق لمنظمّة التجارة الدولية ورئيس منتدى باريس للسلام باسكال لامي بشأن ''حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها في مواجهة إرهاب حركة حماس ووحشيتها''. وكانت النقطة التي أفاضت الكأس ما قاله الدبلوماسي الأميركي مارك إيلينبوغن أولا، حين أنكر على الحركة حقّها في الدفاع عن نفسها، على اعتبار أنها ليست دولة، وثانيا، حين سأل أحدَ المتدخّلين بنبرة لا تخلو من تعالٍ ''إذا ما كان قد أدّى الخدمة العسكرية حتى يكون في وسعه إدراك المواقف التي تدعمُ إسرائيل وتنتصر لها''. وقد أثار ذلك استياء الحاضرين في القاعة الذين لم يتردّد بعضهم في تذكير الدبلوماسي الأميركي بضرورة احترام البلد الذي يستضيفه، والتأكيدِ على وقوف المغاربة مع أشقائهم الفلسطينيين في محنتهم. ولعل ما زاد الطين بلةً غياب صوت مغربي أو فلسطيني أو عربي عن الجلسة التي شهدت دفاعَ المسؤوليْن الغربييْن عن الكيان الصهيوني وتبريرهما غير الأخلاقي ما يرتكبه من جرائم بحق سكان غزة.
لا يخلو استغلال بعض ضيوف المنتدى أشغاله لترويج السردية الإسرائيلية من دلالة، ففضلا عن أنه يؤكّد الدعم السياسي والعسكري الذي ما فتئت تقدّمه الولايات المتحدة وفرنسا لدولة الاحتلال في حرب الإبادة التي تشنها على سكان غزّة، يكشف أيضا صفاقة نخب الغرب وافتقادها الحد الأدنى من الحياء أمام مقتلة غزّة. ويسيء الجهر بالانحياز للكيان الصهيوني في عدوانه الغاشم لساكنة طنجة وللشعب المغربي، الذي خرج بمختلف مكوّناته، في أكثر من مسيرة ومظاهرة، دعما لفلسطين ونصرةً لقضيتها العادلة.
لم يعرّج أحد من ضيوف المنتدى، ولو بالإشارة العابرة، إلى أن ما حدث يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، كان ردَّ فعل متوقّعا على عقودٍ من الظلم والاضطهاد والتمييز العنصري، خصوصا بعد دخول المستوطنين المتطرّفين على الخط، واقتحامهم المسجد الأقصى أكثر من مرّة تحت حماية قوات الاحتلال.
كان أحرى بضيوف المنتدى أن يكونوا أكثر توازنا، حتى لا نقول إنصافا، وهم يخوضون في ما كان يفترض أن يتجنّبوه احتراما لمشاعر من حضر من الجمهور المغربي. يصبّ تحوُّل منتدى ''ميدايز''' إلى منصّة لترويج السردية الإسرائيلية وإضفاء الصدقية عليها، بالتأكيد، في مصلحة كل من يرى أن المغاربة ''كلهم إسرائيليون''، في حين تتواصل المظاهرات في مدن المغرب دعما لغزّة وللمقاومة الفلسطينية في ما يعتبر استفتاء شعبيا على تجذّر القضية الفلسطينية في الوجدان الشعبي المغربي.