بيبي يلتحق بطبقة الآلهة

17 اغسطس 2023
+ الخط -

لا أصدّق كثيرا تلك "الغيرة" الأميركية، والغربية عموما، على "زوال" الماكياج الديمقراطي الذي كانت تضعه "إسرائيل" لتحسين وجهها القبيح، وإخفاء تجاعيد الإجرام والعنصرية التي صبغت كل تاريخها، وفي مختلف حقب نشأتها، بل إن سؤال الديمقراطية الغربية نفسه لم يزل مدار بحثٍ عن إجابةٍ شافيةٍ في محافل مفكرين كثيرين، حتى أن بعضهم يطلق عليه اسم دكتاتورية الأغلبية. وأيا يكن من أمر، فهذا ليس موضوعنا الأهم هنا، بل إننا نحاول أن نتحسّس تلك التحوّلات التي أصابت أحد أكثر حكّام الكيان جدلا، وربما تأثيرا في تاريخه كله، وهو الذي "ربض" على صدر الكيان مدّة ينافس فيها ما يفعله حكّام العالم الثالث وجمهوريات الموز. حين تسلم الحكم أول مرّة كان أصغر من تولّى منصب رئيس وزراء في تاريخ الكيان، فقد كان يبلغ 46 عاما، وكان ذلك عام 1996. ولئن غادر المنصب بين حين وآخر، إلا أنه ظلّ ينظر إلى مقعده في دار الرئاسة بشغف، وعمل جاهدا على العودة إليه، ونجح في أن يكون أول رئيس لوزراء الكيان امتدّت ولايته ما يقارب العقدين، وهي "مرتبة" لم يسبقه إليها أحد في تاريخ الكيان. ويبدو أن طول مكوثه على كرسي رئاسة الحكومة زيّن له أن يلتحق بطبقة "الآلهة" شأن أي حاكم في دول العالم الثالث، حتى لو كلّفه هذا الأمر أن يحرق "البلد"!

وعَوداً على بدء، وفي ما يخصّ ماكياج الدمقرطة الذي تتبجّح به "إسرائيل" ويبدي الغرب (أو كان) إعجابه به، ويرتدي مسوح الحفاظ عليه، فجّر أحدهم قبل أيام ما يشبه "القنبلة" الصغيرة، في وجوه هؤلاء وأولئك، من المعجبين بديمقراطية الكيان، ففي أحدث تصريح لمنتقدي "ملك إسرائيل" أو عضو طبقة "الآلهة" الذين يَسألون عما يفعل الناس، وهم لا يُسألون (!) قال قائد القيادة الشمالية السابق في جيش العدو الصهيوني، عميرام ليفين، إنّ "فصلا عنصريا مطلقا" ظلّ في الضفة الغربية على مدار الـ57 عامًا الماضية، امشِ حول الخليل وسترى شوارع لا يستطيع العرب السير فيها مثلما حدث في ألمانيا (يقصد أيام النازية).

جاءت تصريحات ليفين في مقابلة مع إذاعةٍ صباح الأحد، ونشر فحواها الاثنين موقع صحيفة جيروزاليم بوست. وربما يكون هذا التصريح الأكثر وضوحا في وصف "ديمقراطية" الكيان الذي يخشى عليها الغرب ومن بقي من أتباع "الآباء المؤسّسين" للكيان، فأنت لا يمكنك أن تصف نظاما بأنه ديمقراطي، ويمارس، في الوقت نفسه، الفصل العنصري على الطريقة النازية.

لا يمكنك أن تصف نظاما بأنه ديمقراطي، ويمارس، في الوقت نفسه، الفصل العنصري على الطريقة النازية

وفي ما يخصّ شوق "بيبي" للالتحاق بطبقة "الآلهة" إياهم، فقد وصف ليفين نفسه تلك التحوّلات في شخصيته بدقّة متناهية، حين قال، في المقابلة نفسها، إن طول مكوثه في السلطة جعله يقع في خطيئة الغطرسة، ويحيط نفسَه بالمتملقين، ويستبعد الجادّين الذين يعطونه صورة حقيقية للأشياء. لا يوجد أحد يبقى في السلطة فترة طويلة ولا يفعل هذا، (وهذه إحدى أهم صفات طبقة الآلهة). ويعرج ليفين على شأنٍ من أخصّ خصوصيات رجال هذه الطبقة، حيث يعملون، بكل الطرق، للإفلات من العقاب على ما ارتكبوه، ولو كلّفهم هذا تدمير البلاد والعباد، فرغبة بيبي في الخلاص من قضايا الفساد التي يُحاكم عليها، دفعته لكي يحيط نفسه بمن يسمّيهم ليفين "مجموعة إجرامية مسيحانية تخرّجت من شباب التلال استغلت ضعفه، الناس الذين لا يفهمون حتى ما هي الديمقراطية. لقد جاؤوا من الضفة الغربية. لم تكن هناك ديمقراطية 57 عامًا هناك. هناك فصل عنصري مطلق. .. على جيش "الدفاع" الإسرائيلي رغما عنه أن يفرض سيادته هناك ويقف متفرجا ويراقب (وباء) المستوطنين المتفشّي، ويبدأ بالتواطؤ في جرائم الحرب. وهذا أسوأ بعشر مرات من مسألة استعداد الجيش لساعات تدريب.

وكي لا يُتّهم ليفين بما ليس فيه، يستدرك: لا أشفق على الفلسطينيين، أشفق علينا. نحن نقتل أنفسنا من الداخل. لقد فشل بيبي هنا. وضع المجرمين والمتهرّبين من الخدمة العسكرية في مناصب رئيسية، والمفترض في بلد متحضّر يجب أن يكونوا خلف القضبان (لا في كراسي الوزراء).

ربما ينجح بيبي في الانضمام إلى طبقة "الآلهة" ولو إلى فترة وجيزة، لكن المؤكّد أنه لن يطيل المكوث هناك في جبال الأولمب، كما هو شأن بقية "الآلهة"

ما تقدّم مقطع عرضي لتوصيف ما يشهده الكيان اليوم، وهو مرشّح للتصاعد، فـ"شلة" المجرمين الذين تحدّث عنهم مجرم مثلهم، هم من يحكم ويرسم، وعلى الطامح للانضمام إلى طبقة "الآلهة" أن يبصُم على ما يريدونه، وهذا حقيقة ما يفعله، وإلا عليه أن يعدّ حقيبة السجن، ولهذا هو مستعدٌّ لفعل كل ما يريده شركاؤه، وشأنه شأن قبيلة من حكّام العالم الثالث (هم أيضا لهم من يملي عليهم ما يفعلونه، تحت تهديد وطائلة الإزالة والتنحية، وربما المحاكمة بتهمة المروق وربما الخيانة العظمى). تأسّى هؤلاء الحكام بما سار عليه فرعون الذي استخفّ قومه فأطاعوه، وحصل مع القوم ما حصل مع الديك الذي طلب منه صاحبُه أن يصيح في أوقات معينة، فوافق، ثم منعه من الصياح فوافق، إلى أن طلب منه أن يبيض (!)، وهذا هو شأن ملايين من أتباع الفراعنة، أو "الآلهة" الجدد، الذين استمرأوا السلطة والطغيان، فاعتلوا رقاب شعوبهم، وفرضوا عليهم أن يكونوا أشبه بالعبيد، يأمرونهم فيطيعون، ويسلبونهم فيشكرون، ويجوّعونهم فلا يجأرون، وإن فعلوا أو قالوا "أخ" تحوّلوا إلى متآمرين على أمن البلد، وخطر على السلم الأهلي، كأن هذا السلم مختصّ بطبقة "الآلهة"، الواجب أن تشعر به هي فقط، وعلى البقية أن تسفّ التراب وتسكت.

ربما ينجح بيبي في الانضمام إلى طبقة "الآلهة" ولو إلى فترة وجيزة، لكن المؤكّد أنه لن يطيل المكوث هناك في جبال الأولمب، كما هو شأن بقية "الآلهة"، لأن هناك في كيانه بقية من "ديمقراطية" تسمح بالإعراب عن الرفض، من دون أن تتهم بالمروق والكفر والتخريب، وإن كان هذا الأمر لن يستمرّ طويلا، في وقت تتحوّل فيه "الفيلا وسط الغابة" (الوصف الأثير للكيان من بعض قادته) إلى عاصمة للغابة، بكل من فيها من عبيد و"آلهة" مزيّفين.