بوتين يبحث عن حلفاء
بعد أن تصاعدت لهجة التهديد الأوروبية في وجهه، يبحث الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بشكل محموم عن مزيد من الحلفاء. فالرئيس الفرنسي ماكرون، الذي استخدم لغة الوعيد ضدّه، لا يبدو وحيداً، بل يُضاف إلى حلفٍ من دول أوروبا الشرقية التي لا تطيق سياسات بوتين العسكرية. وكاد الزخم الأميركي الداعم لأوكرانيا أن يستعيد كامل قوّته بعد الموافقة على حزمة جديدة من المساعدات المالية. توجّه بوتين بشكل خاص نحو الشرق الأقصى، حيث كانت الصين مرشّحاً قوياً لتوثيق العلاقة معها، فقد أعلنت الصين منذ حرب بوتين على أوكرانيا موقفاً أكثر ميلاً إلى روسيا. أراد بوتين أن يستفيد من واقع يقول إن الصين ذات اقتصاد هائل يكاد يغطّي وجه الكوكب، فحاول التقرّب أكثر منها بزيارتها مرّتين خلال الأشهر الستة الأخيرة. وكانت المرة الثانية قبل شهر تقريباً، وجرى خلالها الحديث عن تعاونٍ لا محدود بين البلدين، من دون أن ينعكس ذلك على الواقع بشكل ملحوظ في الشهر التالي. ثم بشكل مفاجئ بعد شهر، يظهر بوتين في بيونغ يانغ، معانقاً الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، في خطوةٍ تظهر التمسّك الروسي بتلك المنطقة، ومحاولة استمالتها بشكل واضح وعلني لصالحه.
رغم امتلاك روسيا موطئ قدم لها على الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط في ميناء طرطوس السوري، علاوة على قاعدة جوية في اللاذقية، وامتلاكه نافذة واسعة على البحر الأسود، بعد أن استولى على شبه جزيرة القرم، فإنها لا تبدو في وضع استراتيجي جيد، فللوجود العسكري الفعّال في هذه المناطق تكلفة عالية، وهي بحاجة لأن تدافع عن هذا الوجود، ليس بأساليب عسكرية فقط، بل أيضاً بطرق دبلوماسية أيضاً. ولهذا السبب، يركُض بوتين لملاقاة الزعيم الصيني، شي جين بينغ، مرّة ومرتين، وعندما لا يجد استجابة كافية أو مُرضية له، يهبّ للقاء شخصٍ لا يرغب أحد في الاجتماع معه، وهو زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون.
كانت العلاقات مع كوريا الشمالية في العهد السوفييتي عادية وبروتوكولية. ورغم تشابه نظام الحكم الداخلي فيهما، إلا أن السوفييت كانوا، في ما مضى، يريدون أتباعاً ومريدين لتنفيذ أهداف الكرملين، ولا يريدون حلفاء. ولذلك لم تكن العلاقة بين البلدين بذاك العمق، فقد حافظ جدّ الرئيس الحالي، كيم إيل سونغ، الزعيم المؤسّس، على تفرّد خاص، قرّبه أكثر من الصين في تلك الحقبة التي كانت العلاقات الصينية السوفييتية في أثنائها في أدنى مستوياتها. وحتى خلال العهد البوتيني، لم تكن العلاقات عميقة، فقد كانت آخر زيارة قام بها بوتين لكوريا الشمالية عندما كان الرئيس الحالي في السادسة عشرة من عمره، ولكن الحال الآن يختلف كثيراً، فبعد حربه على أوكرانيا ومحاولة الغرب عزله، استقبل بوتين في سبتمبر/ أيلول الماضي الزعيم كيم بعد رحلة طويلة في القطار أداها الأخير بغرض زيارة سيد الكرملين. ويبدو أن دولتيهما اليوم "تتنافسان" في كمية العقوبات المطبقة عليهما من المجتمع الدولي، وتُجاهران في تحدّي تلك العقوبات ومحاولة خرقها بكل الطرق المتاحة. ويبدو أن هناك منفعة مشتركة حقيقية بين البلدين دفعت بوتين إلى المسارعة إلى بيونغ يانغ قبل أيام.
تريد روسيا ذخائر وأسلحة، وتحتاج مقاتلين للحرب. وتريد كوريا الشمالية مزيداً من التكنولوجيا العسكرية، وخصوصاً في مجال الصواريخ بعيدة المدى. ويمكن لروسيا أن تقدّم هذه التكنولوجيا بسهولة، ويمكن أن تقدّم كوريا الشمالية ذخائر ومتطوعين، الأمر الذي يُحدِث حالة تعاون استثنائي، قد تنغّص مزاج الزعيم الجار في الصين، وهو يتابع تعاوناً قوياً قام أساساً على حسابه، ما يمكن أن يدفعه ليسبّب عوائق أمام إتمام صفقة من هذا النوع، كأن يزيد من تعاونه مع الروس، وقد تكون تلك غاية بوتين أصلاً، رغم أن تعاوناً صينياً أكبر مع روسيا له أن يعقّد المسألة، بحيث يدفع أميركا جدياً إلى اتخاذ الموقف الفرنسي نفسه الذي يحاول الانخراط أكثر فأكثر في حرب أوكرانيا.