الهدنة من طرف واحد في اليمن
بعد الهجمات التي شنتها جماعة الحوثي على موانئ تصدير النفط في كل من محافظتي حضرموت وشبوة، شرقي اليمن، وعلى مواقع عسكرية ومدنية في مأرب ولحج في الأيام القليلة الماضية، يمكن اعتبار ذلك خرقاً صريحاً للهدنة العسكرية في اليمن، وأن الحوثين شرعوا في حرب جديدة تستهدف، في المقام الأول، الاقتصاد اليمني، لا سيما تصدير النفط إلى الخارج الذي تستفيد منه الحكومة الشرعية.
لم يعد هناك أي وجود للهدنة العسكرية إلا من طرف واحد، وهو التحالف والحكومة الشرعية اللذين يرفضان الرد على التصعيد الحوثي أخيرا، في صورة تثير علامات استفهام كثيرة، وتمنح الحوثين الفرص المناسبة لاستهداف أية مواقع يريدها، سواء أكانت في الشمال أم في الجنوب، وهو يدرك أن الردّ على ذلك لن يكون، وإذا ما حدث، فإنه لن يغير شيئا من المعادلة التي يريد فرضها على الواقع.
بعد الهجمات التي استهدفت منشآت النفط في الجنوب، أعلن مجلس القيادة الرئاسي المعترف به تصنيف جماعة الحوثي جماعة إرهابية، وتعتبر هذه الخطوة مهمة في رأي متابعين كثيرين، لكنها ظلت يتيمة، ولم تتبعها خطوات أخرى سياسية واقتصادية وعسكرية. لذا، هي ستفقد تأثيرها مع مرور الأيام، خصوصاً أن الحوثين لم يعلقوا عليها أو يعيروها أية اهتمام.
أصبحت اليمن كلها، بعد ثماني سنوات من الحرب، في مرمى الصواريخ والطائرات المسيّرة الحوثية، بالإضافة إلى دولتي التحالف، الإمارات والسعودية، اللتين تعانيان من الشيء نفسه، وهو ما دفع العربية السعودية إلى إجراء حوارات ثنائية مع الحوثيين، بدأت منذ أشهر بهدف الخروج باتفاق يجنّب منشآتها النفطية أية ضربات حوثية جديدة، لكن مناطق سيطرة الشرعية والمجلس الجنوبي الانتقالي في اليمن ستظل أهدافا سهلة أمام الحوثيين، ما دامت قوة الردع معطّلة لديهم وما دام كل طرف يرتب أموره بعيداً عن الآخر.
ضغوط خارجية كما يبدو تمارس على الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، تمنعهم من الرد على هجمات الحوثي
أصبحت العودة إلى الهدنة أمراً صعبا الآن، فالحوثيون يعيشون حالة انتشاء وغرور غير مسبوق بقوتهم العسكرية وقدرتهم على ضرب الأهداف بدقة متناهية، فضلاً عن تراجع الطرف الآخر الذي بات يقدّم تنازلات كبيرة، جعلته في موضع الضعف الذي أغرى الحوثيين كثيراً، وجعلهم يُقدمون على خرق الهدنة التي استمرّت أشهراً، استطاعوا خلالها إعادة بناء ترسانتهم العسكرية والصاروخية وتحشيد الآلاف من المقاتلين لبدء فصل جديد من الحرب، وهو ما بات واضحاً الآن، حيث يبدو أنهم أصبحوا المتحكّمين بمصيرها. وهذا ما تؤكّده هجماتهم أخيراً، وما يحدث في الجبهات، إذ أصبح الطرف الآخر مجرّد مدافع وحائط صدّ ليس إلا.
الذهاب الي حوار الحل النهائي، الذي أعلن عنه قبل شهر ونيف تقريباً وبموجبه شكّل المجلس الرئاسي وفده المفاوض، أصبح في حكم المنتهي أو الميت، بعد خرق الهدنة وبعد تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، إذ ليس من المنطق أن يعلن المجلس الرئاسي هذا التصنيف، ثم يطلب الحوار معها، فالإرهابيون يُفترض أن يُواجهوا بالقوة العسكرية لاستئصالهم، وليس بالحوار الذي أصبح في حكم الأمر المعقد والمستحيل.
هناك ضغوط خارجية كما يبدو تمارس على الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، تمنعهم من الرد على هجمات الحوثي، ويمكن فهم ذلك في سياق تصريح لقيادي كبير في المجلس الانتقالي، قال: على التحالف والخارج أن يطلقا سراحنا، ونحن سنرد على الحوثي وسنهزمه... وهذا يكشف أن هناك قيوداً خارجية مفروضة على السلطة الشرعية والمجلس الانتقالي تمنعهما من التحرّك والرد، جعلت الحوثي يسرح ويمرح ويملي شروطه على الجميع.