احتجاجات يمنية وحكومة عاجزة
اتفق في اليمن، يوم 18 مارس/ آذار الجاري، المجلس الانتقالي الجنوبي والهيئة العليا للجيش والأمن التي تقود احتجاجات شعبية في عدن، على إيقاف التصعيد في هذه التظاهرات، لإتاحة الفرصة أمام حكومة المناصفة لإيجاد حلول للأزمة الاقتصادية، ودفع المرتبات وإصلاح منظومة الخدمات، وتلبية غيرها من المطالب التي حرّكت الاحتجاجات في عدن وغيرها من المدن الجنوبية الأخرى. وبدا للمتابع أن المجلس الانتقالي يريد أن يلعب دور الوسيط بين الحكومة وحركة الاحتجاجات، عكس ما قيل إنه من يحرّك الاحتجاجات الشعبية، علما أن الاحتجاجات قد تستهدف "الانتقالي" نفسه بكونه مشاركا في الحكومة، إذا لم يبادر بإعلان موقفه بوضوح وصراحه مما يحدث. وكان القائم بأعمال رئيس المجلس الانتقالي رئيس وحدة المفاوضات، ناصر الخبجي، قد أعلن وقوف المجلس مع الاحتجاجات الشعبية، لكنه لم يشر إلى أنه يدعمها أو يحركها. ونفى المجلس، في وقت سابق، علاقته باقتحام المتظاهرين، يوم 16 مارس، مقر الحكومة في قصر المعاشيق، قائلا إن التوجه إلى القصر حدث بعفوية، ولم يكن مخطّطا له. وفي عدن وغيرها من مدن الجنوب اليمني، تتدهور الأوضاع بصورة سريعة. وفي كل يوم تتعقد الأزمات بصورة قد تصبح معها عصية على الحل، ولم يجد الناس من وسيلةٍ لدفع الحكومة لحل الأزمات إلا الخروج إلى الشارع، في ما بات يعرف الآن "بثورة الجياع" التي تتجه إلى مواجهة حكومة تبدو عاجزة عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه الناس.
من اللائق القول إن المجلس الانتقالي الجنوبي، الفصيل الأكثر حضورا في الساحة الجنوبية، قد يجد نفسه في قادم الأيام مشاركا بصورة معلنة في الاحتجاجات الشعبية، بدلا من الموقف الموارب الذي بدا عليه في الأيام الماضية، وذلك في حال عجزت الحكومة عن تلبية مطالب المحتجين في الفترة التي حدّدت لها، لأن المجلس يخشى اختطاف حركة الاحتجاجات لصالح مكونات أو أطراف أخرى، تسعى إلى تعقيد الأزمة بصورة أكبر أو تتسيد المشهد في الجنوب، وهذا ما لا يرغب فيه المجلس الانتقالي الذي يحمل تفويضا من الشعب بتمثيله، وتبني قضاياه، على حد قوله.
لم تجد الحكومة أية مساعدة خارجية لتجاوز الأزمة، على الرغم من أنها دعت، أخيرا، دول الخليج وفي مقدمتها السعودية، لتقديم وديعة جديدة للبنك المركزي
لم تجد الحكومة أية مساعدة خارجية لتجاوز الأزمة، على الرغم من أنها دعت، في اجتماعها أخيرا، دول الخليج وفي مقدمتها السعودية، لتقديم وديعة جديدة للبنك المركزي اليمني، فضلا عن تقديم شحنة مشتقات نفطية مدعومة لمواجهة أزمة الطاقة في عدن والمدن المجاورة، ولم تلقَ هذه المطالب أية استجابة. في المقابل، دعت السعودية كلا من المجلس الانتقالي والحكومة إلى الرياض لاستكمال ما تبقى من اتفاق الرياض الموقع منذ عام ونيف، وهو الاتفاق الذي يمكن القول إن في وسعه أن يحل أزمة السلطة وتقاسم المناصب بين الانتقالي والشرعية، وحل الملف الأمني والعسكري، لكنه لم يعد يعني المواطن اليمني ومطالبه في شيء، فقد تدهورت الأمور بشكل مريع في الجانب الاقتصادي، ولم تعد تنفع الإجراءات الترقيعية أو الاتفاقات السياسية، والحاجة باتت إلى حلول اقتصادية استراتيجية، كتقديم الدعم عبر ودائع جديدة، لإنقاذ العملة وإنعاش الجانب الاقتصادي، ودفع المرتبات بصورة منتظمة، وإلغاء جرعة المشتقات النفطية التي زادت الطين بلة، أو تبني التحالف خططا اقتصادية ذات جدوى، بإمكانها مساعدة الحكومة للخروج من المأزق. وقبل هذا كله، يطالب الناس بإجراء تغييرات كبيرة وواسعة في البنك المركزي والحكومة واللجنة الاقتصادية، سيما للأشخاص الذين تسببوا بتبديد الوديعة السابقة وإخضاعها للمضاربة وغسل الأموال.
من المتوقع أن تسترجع التظاهرات في عدن ومدن جنوبية أخرى زخمها، بعد انتهاء المهلة المحدّدة للحكومة، وأن تتخذ أشكالا مختلفة من التعبير السلمي، وأن يدفع ذلك إلى انضمام قوى جديدة إليها، مثل النقابات العمالية واتحادات الطلاب، وقبل هؤلاء انضمام المجلس الانتقالي، بصورة معلنة، لأن المسألة بالنسبة إليه لم تعد قابلة للقسمة على اثنين، في ظل تلويح قيادات فيه بعدم رغبتهم في دعم حكومة فاشلة، عجزت عن دفع مرتبات الموظفين، وهذا من أبسط الحقوق التي كان ينتظرها المواطن اليمني لمواجهة غلاء المعيشة.