المُنعرج الانتخابي المقبل في الأردن

المُنعرج الانتخابي المقبل في الأردن

28 ابريل 2024

أردنية تدلي بصوتها في الانتخابات المحلية في العاصمة عمّان (22/3/2022/الأناضول)

+ الخط -

ثمّة رسائل استراتيجية عديدة أراد الملك عبد الله الثاني توجيهها إلى الداخل والخارج، بزيارته الهيئة المستقلّة للانتخاب (في الأسبوع الماضي)، وبإعطائه الضوء الأخضر لإجراء الانتخابات النيابية هذا العام، وهو ما قرّرته الهيئة لاحقاً؛ أن تكون الانتخابات في شهر أيلول/سبتمبر المقبل، مما ينهي جدلاً طويلاً، ورهانات متعدّدة في الأوساط السياسية الأردنية، بشأن ما إذا كانت الحرب على غزّة ستؤدي إلى تأجيل العملية الانتخابية المقبلة أم أنّ الأخيرة ستُجرى في موعدها، كما هو مقرّر.

الرسالة الرئيسية، التي تداولتها النقاشاتُ داخل الأوساط الرسمية، وأراد "السيستم" إرسالها إلى الداخل والخارج، أنّ الدولة قوّية، وأنّها ليست كياناً هشّاً ولا ضعيفاً، وأنّ إجراء الانتخابات يؤشّر على مدى الثقة في الدولة ومؤسّساتها، سواء على صعيد ما يجري في المنطقة، والتوترات الأردنية الإسرائيلية، ثمّ التحدّيات التي تقع على الجبهة الشمالية الأردنية، أو على صعيد عدم الانتظار أو التريث لمعرفة ما إذا كانت الانتخابات الرئاسية، في واشنطن في نهاية العام، ستُبقي الرئيس جو بايدن أم تعيد الرئيس السابق، دونالد ترامب، وهو (ترامب) الذي اتسمت علاقته مع الملك عبد الله الثاني بالبرود والجفاء، خلال آخر عامين من رئاسته.

أياّ كان ما يحدُث في خارج الأردن لن يؤثّر على الاستقرار السياسي، ولا على الخيارات الاستراتيجية، ولن يكون له انعكاس كبير على المشهد السياسي الداخلي الأردني، وهو الشقّ الثاني من الرسالة، فالمخاوف أو التحذيرات من أنّ الانتخابات ستكون فرصةً لتعزيز حضور الإسلاميين المعارضين أو جماعة الإخوان المسلمين؛ الأمّ، التي بسبب تأييدها وعلاقتها بـ"حماس" وقاعدتها الاجتماعية، ستعمل على استثمار الحالة الشعورية لدى الشارع الأردني، وتوظّفه في الانتخابات المقبلة. تلك الرسالة المقصودة لا تنفي أنّ هنالك تحدّياً كبيراً، قد يكون أكبر من التحديات السابقة المذكورة، ويتمثّل في مصير مشروع التحديث السياسي، وتجذير التجربة الحزبية في الأردن، فالانتخابات المقبلة ستضع على المحكّ كلّ الأحزاب السياسية، ورهانات الدولة (على إمكانيات تجديد النظام وإصلاحه من الداخل، وفي تصعيد ديناميكيات جديدة في الحياة السياسية، في سباق مع الزمن المحدود المتاح للأحزاب السياسية، خاصة تلك الجديدة التي لا تمتلك الخبرة السياسية والحزبية الكافية، مقارنةً بالإسلاميين، ولا الوقت الكافي لعملية البناء المؤسسي).

في الأثناء، تقوم الأحزاب السياسية الجديدة، خصوصاً المفترض أن تتمكّن من تقديم بدائل سياسية إلى الرأي العام، بالعمل المكثّف لبناء القواعد الحزبية والاجتماعية، وما تزال تحيط حالةٌ من الغموض في تحديد حجمها الانتخابي والسياسي، ومدى قدرتها بالفعل، ليس على تجاوز العتبة الانتخابية (في القائمة الوطنية) فقط، بل أيضاً، في الحضور والظهور وإقناع الشارع فعلاً أنّها ليست مُجرّد دمية أو لعبة بيد المؤسّسات الرسمية، وأنّها قادرة على تقديم خطاب مُحتَرِف، والقيام بحملات انتخابية جذّابة، وهو التحدي الأكبر في ضوء العمر الصغير جداً، الذي وُلدت فيه الأحزاب السياسية الجديدة. في الحقيقة، المخاطر المترتّبة على سيناريو عجز الأحزاب الجديدة عن إقناع المواطنين أنّها تمثّل مساراً سياسياً استراتيجياً معتبراً، في المرحلة المقبلة، هي مخاطر كبيرة ومُقلقة، لأنّ رأس المال السياسي الكبير، الذي وُضع على مشروع التحديث السياسي خلال الأعوام الماضية، كبير وباهظ، فضلاً عن أنّه قد رُبط بمئوية الدولة الجديدة، وشرعية العملية السياسية في المستقبل، ما يعني أنّ على الأحزاب وعلى مؤسّسات الدولة العمل بحيادية وجديّة كبيرة على إنجاح الانتخابات، على أكثر من صعيد. الأول، والأكثر أهمّية هو النزاهة وعدم التدخّل. والثاني، هو ترك الأحزاب تعمل على خوض الانتخابات بقدراتها وأدواتها، كي لا يُسجّل موقف الدولة لحزب على آخر، ولعلّ هذه النقطة كانت من أبرز النقاط التي تنبّه إليها الملك مُبكّراً في أوراقه النقاشية، عندما أكّد على شرط "حيادية" الدولة ومؤسّساتها ضمانةً لنجاح عملية الانتقال الديمقراطي.

 أصدر صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، أخيراً، كتاباً مُهمّاً وجديرأ بالقراءة، يمثّل الرواية الأولى الصادرة عن مؤسّسات الدولة، بعنوان: "الانتقال الكبير"، متحدّثاً عن الـ 25 عاماً التي حكم فيها الملك عبد الله الأردن (بمناسبة اليوبيل الفضي)، وكان لافتاً أنّها مرحلة عُجنت بالتحدّيات الأمنية الكبرى داخلياً وخارجياً. واليوم، يمثّل مشروع التحديث السياسي، والتحوّل نحو الأحزاب، الفرصةَ الذهبيةَ لتدشين المرحلة السياسيّة المقبلة، وستكون انتخابات سبتمبر محطّةً حرجةً جداً في تكريس انطباعات وأفكار حولها.

محمد أبو رمان
محمد أبو رمان
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية والمستشار الأكاديمي في معهد السياسة والمجتمع.