اللاجئون عدوّاً
يبدو أن المدّ اليميني العنصري في أوروبا لم يعد يتعامل مع اللاجئين بوصفهم مشكلة، بل تجاوز ذلك إلى تحويلهم إلى عدو، وتحميلهم كل المشكلات للبلدان المضيفة لهم. لذلك يدير حملة تحريضٍ مستمرٍّ ضدهم، ما زاد من الكراهية تجاههم، ليس بين أوساط اليمين العنصري وبيئته المؤيدة فحسب، بل حتى بين الأوساط والبيئات السياسية الأخرى أيضاً، والتي أحياناً يتطابق فيها اليسار واليمين في هذه البلدان، فاليمين العنصري في السويد كان يطالب الحكومة اليسارية المنصرفة بتطبيق السياسات التي تطبقها الحكومة الدنماركية اليسارية، وهي حكومةٌ أدارت وتدير أكثر السياسات عدوانية ضد اللاجئين في أوروبا.
تحاول الحكومة السويدية اليمينية المدعومة بالحزب العنصري من خارجها، وهي المثال النموذجي للسياسات العدائية تجاه اللاجئين، صياغة سياساتٍ تجعل إقامة اللاجئ في السويد تكاد تكون مستحيلة.
لم يبدأ التضييق على اللاجئين مع حكومة اليمين الجديدة في السويد، فقد انتهت سياسة الترحيب باللاجئين في السويد منذ العام 2016 بفرض الإقامة المؤقتة في ظل الحكومة اليسارية المنصرفة، والتي اشترطت على اللاجئ إعالة نفسه من دون دعم للحصول على الإقامة الدائمة التي تؤهله للحصول على الجنسية السويدية. بمعنى أن سياسة اللجوء السخية انتهت قبل وصول اليمين السويدي إلى الحكم، مدعوماً بالعنصريين بعد فوزهم في الانتخابات التي جرت 11 أيلول / سبتمبر المنصرم. لذلك ما جاء في اتفاق تيدو بين الأحزاب الحاكمة، والذي ركز على اللاجئين والجريمة، وهي أحزابٌ تربط بين الاثنين، هو فقط لمزيد من التضييق على اللاجئين، لمنع قدوم الجديد، ولدفع الموجودين إلى المغادرة، بتعقد حياتهم وجعلها أكثر صعوبة، مع أنها كانت صعبةً من دون هذه التشديدات. فلم تعد السويد وجهة اللاجئين الراغبين في الهجرة، قبل وصول هذه الحكومة العدوانية تجاه اللاجئين. ومن النصوص الأكثر إثارة للجدل، في وثيقة تيدو، فهي تقول "يجب وضع قوانين تسمح بإمكانية ترحيل الأجانب (المهاجرين) ذوي الشخصية السيئة". وتضيف في بند آخر "تطبّق إجراءات الترحيل على السلوك غير القانوني وغير المتوافق مع قيم المجتمع على كل أجنبي (مهاجر) بإقامة دائمة أو مؤقتة". وإذا كان من المفهوم ترحيل مرتكبي الجرائم، لأنهم يرتكبون خرقاً فاضحاً للقوانين، فليس مفهوماً معنى "الشخصية السيئة"، و"السلوك غير المتوافق مع قيم المجتمع" السويدي، وما هي المعايير التي تحدّد "سوء الشخص"، هل إذا اشتكى الجيران على اللاجئ، يصبح "سيئ السمعة" ويجب ترحيله؟ وماذا يعني السلوك غير المتوافق مع قيم المجتمع السويدي؟ إنها معايير مزاجية ومطّاطة، مهمتها تخويف اللاجئين وتحويل حياتهم إلى جحيم، بتسليط الضوء عليهم طوال الوقت، واعتبارهم متهمين من حيث المبدأ، ويجب عليهم إثبات حسن نيتهم وسلوكهم القويم طوال الوقت لسلطات مزاجية عدائية تجاههم.
تحاول الحكومة السويدية اليمينية المدعومة بالحزب العنصري من خارجها، صياغة سياساتٍ تجعل إقامة اللاجئ في السويد تكاد تكون مستحيلة
لم يكتف التحالف الحاكم بالإجراءات التي اتخذتها الحكومات السابقة للتضييق على اللاجئين، من خلال فرض شروط مثل تعلم اللغة السويدية، ومعرفة المجتمع السويدي، والإعالة الذاتية دون معونة. فقد طلب التحالف من دائرة الهجرة التحقيق في إمكانية حصول من يحملون تصاريح إقامة دائمة على تصاريح إقامة مؤقتة بدلاً من ذلك، وهو ما قد يؤدّي إلى عدم السماح لهم بالبقاء في السويد. وهو ما يبدّد أوضاعا قانونية قد حقّقوها في البلد، فهذا يعني، إذا حصل اللاجئ على إقامة دائمة من خلال إعالته نفسه عبر عمل غير مدعوم، وعاد وفقد عمله لأي سبب، فإنه سيخسر إقامته الدائمة، ويفقد حقّه بالتقدّم للجنسية، ويصبح عرضة للترحيل من البلد، وهذا ما يخيف 300 ألف لاجئ مقيم حصلوا على الإقامة الدائمة. وقال المدير العام لمصلحة الهجرة، ميكائيل ريبينفيك، "إذا دخلت المقترحات حيز التنفيذ، فسيكون ذلك إجراءً نادراً"، كما صرح للتلفزيون السويدي.
لا أحد يعرف اليوم إلى أي مدى يمكن أن تصل الحكومة السويدية المحكومة من خارجها بالحزب العنصري في حربها على اللاجئين، فهي تبحث أيضاً إمكانية سحب الجنسيات من أصحاب الجنسية المزدوجة، في حال قيامهم بمخالفات قانونية. بمعنى أن إجراءات الحكومة الجديدة لا تستهدف فقط اللاجئين الجدد، بل أيضاً الذين من المفترض أنهم مواطنون سويديون، يتساوون في الحقوق والواجبات مع الذين يهدّدونهم بسحب جنسيتهم.
اليمين واليمين العنصري يحارب مشكلة لا يمكنه العيش بدونها، فعلى رغم الحرب الشرسة ضد اللاجئين، إلا أن بلدانهم لا يمكنها العيش من دونهم
لا تقتصر موجة العداء للاجئين المتصاعدة على السويد، بل تجتاح أوروبا بفضل اليمين الشعبوي والعنصري الذي تزداد قوته الانتخابية في هذه الدول، إلى درجة تشكيل حكوماتها، مثل اليمين الفاشي الذي نجح في الانتخابات الإيطالية أخيرا، والتي شكّلتها جورجيا ميلوني، التي رفضت استقبال أي لاجئ، ولم تسمح لسفينة تحمل لاجئين بإنزالهم في الموانئ الإيطالية، ما أجبر فرنسا على استقبالهم على مضض.
المفارقة أن هذا اليمين واليمين العنصري يحارب مشكلة، لا يمكنه العيش بدونها، فعلى رغم الحرب الشرسة ضد اللاجئين، إلا أن هذه البلدان، لا يمكنها العيش من دونهم، وليس لها خيار، لأنها لا تستطيع الاستمرار بقواها البشرية الذاتية، فالدنمارك التي نجحت في خفض نسبة اللاجئين إلى حدودها الدنيا، وحاولت كبريطانيا العمل على تصدير طالبي اللجوء عندها إلى راوندا، فأرباب العمل فيها يطالبون بحل مشكلة نقص العمالة الحاد الذي تعاني منه الدنمارك في كل القطاعات. وفي بريطانيا التي كان اللاجئون السبب الرئيسي لخروجها من الاتحاد الأوروبي، تحتاج اليوم إلى 12 ألف طبيب، و40 ألف ممرّضة، ومائة ألف سائق شاحنة، وغيرهم آلاف عاملون في رعاية الكبار وغيرها.
يعيش اليمين واليمين العنصري في أوروبا على معركة اخترعها مع اللاجئين، بوصفهم أسّ البلاء في القارّة، وأعتقد أن هؤلاء يدركون بأنهم لا يستطيعون العيش من دون المهاجرين، لكنهم يريدون هجرة نظيفة، أي سرقة كفاءات الدول الأخرى التي يحتاجونها، من دون أي أعراض جانبية، وهذا غير ممكن. كما أن هؤلاء لا يمكنهم العيش سياسياً من دون عدوهم الذي اخترعوه، لذلك لا يرغبون حلها فعلاً. وحالهم مع اللاجئين كما وصفها نيتشه بقوله "من يحيا على محاربة عدوّه من مصلحته أنْ يدعه يعيش".