العدوان مستمر والخذلان أيضاً
نحن، ومنذ ما يزيد على المائة يوم، لم نفعل شيئاً حقيقياً من أجل وقف العدوان الصهيوني الشرس على غزّة. نعم دعوْنا وكتبْنا وشاركنا في بعض الفعاليات والوقفات، ورفعنا العلم الفلسطيني في مناسبات كثيرة، وتوشّحنا بالكوفية كلما خرجنا إلى واحدةٍ من هذه الفعاليات والمناسبات، وسخّرنا حساباتنا على وسائل التواصل الاجتماعي للتنديد بالعدوان والتعريف بما يجري وإعلان التضامن مع الفلسطينيين هناك. لكن الحرب مستمرّة بكل غطرستها، وأهلُ غزّة الذين كانوا يموتون أو يصابون أو يهجرون أو يفقدون أحبابهم فقط، أصبحوا الآن يجوعون ويعطشون، بعدما منع عنهم الصهاينة كل مقوّمات الحياة تقريباً. ومع هذا، لا نفعلُ شيئاً سوى ما بدأنا به. بل بدأ كثيرين، كما يبدو، يشعرون بالملل وبالتعب وباللاجدوى مما يقومون به تجاه ما يحدُث، فصمتوا أو قلّلوا من مشاركاتهم وأنشطتهم. ألومهم بالتأكيد على هذا الشعور المقيت بالملل والاعتياد، وألوم غيرَهم أكثر على صمتهم منذ البداية على ما يحدُث، لكن هذا لا يعني أنّنا، نحن المستمرّين على سبيل التنديد والتضامن، بخير. نحن لسنا بخير، وشعورُنا بالعجز يكاد يقتلنا ونحن نرى أهل غزّة، وفي الشمال من القطاع تحديداً، وصلوا إلى حد الجوع والعطش، وأصبحوا يأكلون كل شيءٍ يجدونه أمامهم.. ولا يجدون.
لا أعرف ما علينا تحديدا فعله، ولكنه موجود. لا بد أنه موجود، ولا بد للتضامن مع من نحبّ أن يكون أقوى مما هو عليه. لا بد من وسيلةٍ ما تُشعرنا بأننا على الأقل استطعنا أن نساهم بالتخفيف عنهم. أننا وقفنا معهم، وأن التاريخ سيضعنا، في يوم ما، في الجهة التي يقفون فيها بلا تردّد. لكن هيهات! فما أراه من تعاطف الغرباء وتضامنهم مع أهل غزّة، يعيدني إلى وضعنا، متضامنين ومتعاطفين عرب! والمقارنة دائما لصالحهم للأسف، بالنظر إلى ما يربطنا وما يربطهم بفلسطين.
كلما رأيت مقطعاً لوقفة حاشدة في واحدة من المدن الغربية والأميركية تنديداً بالعدوان الصهيوني المستمرّ على غزّّة، وتضامناً مع الشعب الفلسطيني، شعرتُ بكثير من الأسى الشخصي على أحوالنا، نحن العرب الذين نزعم إننا نؤدّي أفضل ما لدينا تجاه ما يحدُث بمجرّد الدعاء والكلمات المكتوبة وبعض الفعاليات التي قد لا تفعل سوى أنها تُريح ضمائرنا مؤقّتا تجاه ما يحدُث.
ما الذي يدفع هؤلاء الأغراب إلى أن يتركوا أعمالهم وأوقاتهم الخاصة، ليفعلوا شيئاً حقيقياً تجاه الناس في غزة من دون أن تربطهم بأولئك الناس أيّ روابط عرقية أو دينية أو ثقافية أو غيرها من الروابط التي تربطنا نحن بهم؟ هل هو مناخ الحرية الذي عاشوه واعتادوا على أن يستفيدوا من كل الفرص المتاحة لهم فيه تعبيراً عن آرائهم، وهو ما تفتقر إليه أغلبية العرب والمسلمين في بلدانهم؟ أم هو الشعور بالذنب تجاه مسؤوليّة حكوماتهم الغربية التي أنشأت هذا الورم السرطاني المسمّى إسرائيل وطناً لليهود على أرضٍ لا يملكونها، وليست لهم أي علاقة بها بعدما ساهموا بتشريد أصحابها الفلسطينيين؟
رأيتُ قبل قليل مقطعا لسيدة بريطانية اقتحمت ندوة يحاضر فيها مسؤول حكومي بريطاني منحازاً في ما يقوله في المحاضرة إلى الجانب الإسرائيلي، لكن السيدة رفعت صوتها وهي تلوّح بعلم فلسطيني كبير، محتجّة على ما يقوله هذا المسؤول الذي فرّ هارباً لمجرّد اعتلائها المنصّة، ومحاولة مواجهته بحقائق عن استهداف الاحتلال الإسرائيلي النساء والأطفال في غزّة وأشياء أخرى كانت مسترسلةً في تكرارها، قبل أن ينتهي المقطع القصير. مقطع آخر بدت فيه مجموعة من المواطنين النرويجيين وهم يتظاهرون في طقسٍ مثلج فعلياً غير مكترثين سوى بالاحتجاج على استمرار العدوان الصهيوني، مطالبين بوقف الحرب فورا، رغم أنها حربٌ بعيدة عنهم، ولا تكاد تؤثر على سير حياتهم، لا من بعيدٍ ولا من قريب. وبقدر سعادتنا بمثل هذه المقاطع وغيرها، وهي كثيرة، بقدر شعورنا بالتقصير الشديد تجاه غزّة، حيث يبقى السؤال بلا إجابة واضحة للأسف: ماذا نفعل؟