العالم يخرج من غرفة الإنعاش

28 فبراير 2021
+ الخط -

لا تقارن اللحظات الحالية بتلك التي عاشها العالم في مثل هذه الأوقات العام الماضي، حين تحرّكت قصة الفيروس القاتل عبر الأروقة، وبدأت مستشفيات العواصم في أوروبا وآسيا وأميركا الجنوبية تستقبل الحالات المصابة، وانتشرت أخبار العزل والخلود المستكين إلى المنازل، وصور الشوارع الفارغة في مدينة ووهان الصينية، والقصص العاطفية عن ساعات العزل الطويلة المملّة.. لم يعهد العالم لحظاتٍ كتلك التي فرض فيها الفيروس نفسه على كل شيء، وترافقت مع حالات ترقّب وحيرة، وحكاياتٍ مخيفةٍ عن الوقائع الحقيقية أو الوهمية التي تقف وراء ظهور الفيروس وانتشاره السريع.. اتخذ العالم، منذ اللحظات الأولى، موقفاً جدّياً، بأقصى الحدود، بالإغلاق وفرض التباعد، وأخذ الهلع الصحي كل مدى، ولم يعد الاقتصاد أولويةً حين احتل التفكير بالسلامة والبقاء المراتب الأولى.

تراجع الاقتصاد ومستوى التبادل التجاري بشكل مريع، وانهارت أسعار السلع، وخلت المسارح ودور العرض وملاعب الكرة من الجماهير والمرتادين، وامتدّت أيدي الأسر والحكومات إلى مدّخرات اليوم الأسود الذي بدا واضحاً. ووصل سعر برميل البترول إلى الصفر، في لحظةٍ سوقيةٍ حزينةٍ ورمزية، ما قاد بعض الحكومات إلى أن تترك الحرية للشعب أن يتصرّف كما يرغب. وكانت الولايات المتحدة، بقيادة دونالد ترامب، نموذجاً لذلك الفعل، وقد كان ترامب يتقصد الظهور علناً من دون قناع واقٍ، محاولاً التقليل من أهمية انتشار الفيروس، مع استغلاله سياسياً إلى درجة وصفه بالفيروس الصيني، رغبةً منه في توجيه لطمة إلى خصمه الاقتصادي الذي ينمو بسرعة ومن دون توقف. وقد اعتُبر استهتار ترامب وتعامله السلبي مع انتشار الفيروس الواسع وسط المجتمع الأميركي عاملاً مساعداً في خروجه من البيت الأبيض.

تحدث العالم، خلال العام الماضي، بخوف وشغف وكثير من التردّد عن اللقاح المرتقب الذي سيمنح المجتمعات حصانةً تعيدها إلى سابق نشاطها المعهود. وعلى الرغم من ظهور تقارير مربكة عن بدء ظهور سلالات جديدة من الفيروس في بريطانيا والبرازيل وغيرهما، ظهرت تقارير أيضاً عن انحساراتٍ هنا وهناك. وبدأت بالفعل حملات التطعيم، وجرى بشكل كبير تجاوز الخوف من تقارير عدم اكتمال الاختبارات السريرية على اللقاحات المطروحة في الأسواق. كان ذلك كله كفيلاً بجعل مؤشر أسعار البترول يرتفع إلى الأعلى، ليصل إلى مستوياتٍ جيدة، تتجاوز أحياناً أسعار زمن ما قبل كورونا. وعلى الرغم من أن هذا المؤشّر ينتمي إلى عالم أسواق المال والاقتصاد، إلا أنه صحي أيضاً، ويشير إلى بدء التعافي الحقيقي وعودة الأنشطة التي كان يمارسها الناس فيما مضى.

أحدث الفيروس اضطراباً جماعياً على سطح الأرض، وأدخل انحسار النشاط البشري بعض مناطق النزاع في هدنةٍ إجبارية انتظاراً لما سيحدث. تلك القصة المختصرة لما جرى في العالم. أما داخل الأسوار السورية، أو ما تُسمى مناطق سيطرة النظام، فكانت قصة مختلفة تجري، وكأن هذه القطعة من الكرة الأرضية معزولة عزلاً طبيعياً، ولا تتفاعل مع ما حولها. فقد النظام كل موارد تمويله، وأفلس، وبدأ بالسطو على ما بقي في أيدي الناس، فسرقهم تحت بنود مختلفة، من دون أن يعرف أحد معدلات الإصابة بالفيروس ولا أعداد وفياته في سورية. وكانت أخبار الطوابير والانتظار تطفو على كل خبر. وحوّل النظام المرض الذي أصاب العالم إلى نكتة سخيفة، فيما اقتصاده يتجه إلى الحضيض. والآن بدأت الدنيا بالتعافي، وبدأ اللقاح يبني سوراً بين الناس وبين الإصابة والمرض. وما زال الاقتصاد السوري مواظباً على الانخفاض من دون توقف، فلا بادرة تظهر لإنقاذ النظام، وشركاؤه مفلسون مثله، وكل ما يستطيعون أن يقدّموه مزيد من الجرع السياسية، من قبيل إعلان انتخابات رئاسية جديدة، يعرف نتيجتها الجميع، في خطوةٍ تدل على أن هذه البلاد تقع في جهةٍ بعيدة عن بقية دول العالم، وتنتظر لحظة حقيقية لإطاحة الواقع الراهن، والعودة إلى الحياة والتفاعل الطبيعي مع التحوّلات العالمية.