الصراع على دول الساحل الأفريقي

الصراع على دول الساحل الأفريقي

27 يناير 2023

(إبراهيم الصلحي)

+ الخط -

إثر قمةٍ عُقدت في شهر فبراير/ شباط 2014 في نواكشوط، جمعت رؤساء بوركينا فاسو ومالي وتشاد والنيجر وموريتانيا، تم الإعلان عن تأسيس مجموعة دول الساحل الخمس. وكان واضحا أن هذا التحالف قد نشأ بإيحاء فرنسي، واستجابة للفوضى التي شهدتها بعض دول المجموعة التي كانت تعاني من تهديد جماعات مسلّحة قوية، بعضها إسلامي النزعة. وقد اضطرت فرنسا إلى التدخّل بكل ثقلها لإبعاد خطرها، خصوصا في شمال مالي سنة 2012. ولم تُخف دول المجموعة من البداية أن الهدف من تحالفها، بالإضافة إلى التنمية الاقتصادية المشتركة، هو مواجهة تهديد الجماعات المسلحة الناشطة في المنطقة. غير أن ما جرى لاحقا هو بداية انفراط عقد هذه المجموعة، ما يعود أساسا إلى تراجع النفوذ الفرنسي المسيطر على هذه الدول، باعتبارها منطقة هيمنة فرنسية تقليدية، ودخول أطراف جديدة في ساحة الصراع عليها، وتحديدا روسيا والولايات المتحدة، فبعد الانقلاب العسكري في مالي سنة 2021، أعلنت الأخيرة انسحابها من عضوية المجموعة، واتخذت لاحقا سلسلة من الخطوات، للابتعاد عن الحليف الفرنسي، والتوجه نحو الطرف الروسي الذي كان جاهزا لملء الفراغ الذي تركه الفرنسيون عبر الإمداد بالسلاح، وإنفاذ عناصر منظمة فاغنر إلى مالي، لتلعب دورا أمنيا هناك، بطريقة مشابهة لما فعلته مع خليفة حفتر في ليبيا. وما زاد في إضعاف النفوذ الفرنسي مقتل حليفها الرئيسي في تشاد، إدريس ديبي، سنة 2020، ثم الانقلاب العسكري في بوركينا فاسو سنة 2022.

إلى متى تظلّ الدول الأفريقية مجرّد ساحة لصراع القوى الكبرى وضحية لأنظمة عسكرية طائشة؟

من الواضح أن روسيا التقطت فرصة التراجع الفرنسي لتحاول التمدّد في مناطق شمال أفريقيا وغربها، في ظل تصاعد الصراع الاستراتيجي بينها وبين الولايات المتحدة. وفي هذا السياق، يمكن فهم الأخبار عن الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، موريتانيا، والتي تمثل حلقة مهمة ضمن مجموعة دول الساحل، والأهم أنها ذات موقع استراتيجي كفيل بإيجاد حالة من الإرباك لقوات الحلف الأطلسي، المتمركزة في جزر كناري. كانت السياسة الروسية واضحة في تعاملها مع الدول الأفريقية من جهة أنها لا تناقش المسائل الداخلية أو قضايا الديمقراطية كما تفعل القوى الغربية التي قد توجه بعض اللوم الخجول لحلفائها. أما روسيا فإنها تتجه مباشرة نحو الدعم العسكري والأمني للأنظمة التي تتعامل معها في مقابل تحقيق مكاسب إستراتيجية في إطار مواجهتها دول حلف الأطلسي. وفي هذا السياق، وقّعت موريتانيا، رغم علاقتها الوثيقة والتقليدية مع فرنسا، اتفاقية للتعاون العسكري مع موسكو في يونيو/ حزيران 2021، وستكون زيارة لافروف مناسبةً لمزيد تعميق العلاقات بين الطرفين، وتعزيز التعاون الأمني والعسكري بينهما، بما يخدم الطرفين، حيث تحاول روسيا التمدّد في هذا البلد الاستراتيجي الذي يمثل همزة وصل بين منطقة المغرب العربي ومناطق غرب أفريقيا. مع العلم أن فرنسا كانت قد أخلّت بتعهداتها المالية والعسكرية تجاه مجموعة دول الساحل في مقابل الاستعداد الروسي لتزويد حلفائها الجدد بالأسلحة وبشروط مرنة. غير أن هذا التمدد الروسي تقابله يقظة أميركية واضحة، وهي التي تحاول تحجيم النفوذ الروسي ومحاصرته في الدول الأفريقية. ولهذا تُلاحظ حركة الولايات المتحدة السريعة من أجل اجتذاب موريتانيا للعمل ضمن أجنداتها العسكرية، الأمر الذي تجلّى في تكثيف الزيارات التي أدّتها قيادات عسكرية أميركية إلى نواكشوط في ظل حديث متواتر عن رغبة حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن إقامة قاعدة عسكرية مركزية في موريتانيا، والأكيد أن الأمر لا يتعلق بمحاربة الإرهاب فحسب، كما هو معلن، بل يمتد إلى محاصرة وجود عناصر فاغنر الروسية في مالي، وصولا إلى اجتثاثها من القارّة الأفريقية، أو على الأقل هذا ما يرغب فيه الجانب الأميركي. وكانت الولايات المتحدة قد استبقت خطوات الجانب الروسي، من خلال محاولة استمالة موريتانيا تحت مظلة "الناتو" الذي وجه إليها في يونيو/ حزيران 2022، دعوة للمشاركة في قمّته بإسبانيا، حيث كانت الدولة الوحيدة إلى جانب الأردن، من خارج الحلف التي توجّه لها مثل هذه الدعوة.

ليس الصراع الاستراتيجي الروسي الأميركي، والذي يتّخذ من دول أفريقيا ساحة له، مفاجئا في ظل تراجع النفوذ الفرنسي، إثر خروجها العسكري من مالي وإنهائها عملية برخان في مقابل تصاعد الوجود الروسي التي أصبحت شريكا رئيسيا للنظام العسكري في مالي، واقتربت كثيرا من النظام الجديد في بوركينا فاسو، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة نحو المسارعة إلى ملء الفراغ، بما يذكّر بالسياسة الأميركية في الخمسينيات، إثر انسحاب فرنسا من فيتنام بعد هزيمتها هناك سنة 1954، وتدخل الولايات المتحدة لتحلّ محلها. ويبقى السؤال دائما إلى متى تظلّ الدول الأفريقية مجرّد ساحة لصراع القوى الكبرى وضحية لأنظمة عسكرية طائشة لا تفكّر في مصالح شعوبها بقدر ما تحرص على ربط التحالفات وعقد الاتفاقيات من أجل الاستمرار في الحكم ليس أكثر.

B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.