التطرّف الديني يهوديّ أيضاً
لا نعرف، نحن العرب، الكثير عن المتدينين اليهود المتطرّفين، ونجهل الكثير عن عاداتهم المتّبعة وتقاليدهم المفروضة، وما تجيزه لهم أو تحرّمه. بإمكاننا، بالطبع، إجراء بحثٍ لمعرفتهم بشكل أفضل، خصوصا وأن إسرائيل قامت، في الأصل، على فكرة دينية توراتية تنصّ على أنّهم، أي اليهود، "شعب الله المختار"، وهم بذلك متفوّقون على بقية البشر، وشعبٌ ذو خصائص تعليهم على سائر الشعوب كافة. وفي حين تركّز تعاليمهم الدينية على فكرة الاصطفاء والقداسة والتفوّق، جعل الصهاينة من الدين حجّة في اغتصاب الأرض في فلسطين وامتلاكها.
لا نعرف المتدينين المتطرّفين وعنفهم وتعصّبهم وعنصريتهم، أقول لنفسي، كلّما رأيت المستوطنين يهاجمون بوحشية وبقوة السلاح، وبدعم من الجيش الإسرائيلي، المواطنين الفلسطينيين العزّل في الضفّة الغربية، ليُخرجوهم من بيوتهم فيصادروها ويحتلّوها كما سبق لأسلافهم أن فعلوا في كامل فلسطين. وهنا يحضرني، ولطالما حضرني في أكثر من ظرف، فيلم إسرائيلي بعينه شاهدته في باريس، هو "كادوش" ("مقدّس" – 1999) للمخرج الإسرائيلي عاموس جيتاي الذي كان أوّل من تمكّن من التصوير في حيّ ميا شاريم (في القدس) ذي الهندسة المعمارية القديمة الشبيهة بالأحياء حيث كان يهود أوروبا الوسطى يعيشون في القرون 16 و17 و18، والذي تسكنه طائفة دينية متطرّفة في قوانين عيشها بعيدة كل البعد عن الحداثة، ومبنيّة بشكل كامل على ما يفتي به الحاخامات المتعمّقون في دراسة النصوص المقدّسة. حيّ يمتنع سكانه عن مشاهدة التلفزيون أو الأفلام، وهم ضد الصور والتصوير من أي نوع كان.
تتناول قصة الفيلم حياة أختين تربطهما علاقة حبّ قوية: الكبيرة رفقة المتزوجة، والصغرى ملْكة العزباء. زوج رفقة، مائير الذي كرّس حياته لدراسة التوراة، يبتدئ نهاره بصلاة التبرّك وشكر الإله لأنه لم يخلقه أنثى! فأبعده عن جنس المرأة النجس بحكم العادة الشهرية، وعالم المادّة الوضيع الذي تجسّده النساء. ولأن الأخيرات يملكن هذه الطبيعة المادية، فإن من واجبهن توفير الحياة المادّية للرجال الذين، لكونهم أنقياء بطبيعتهم، عليهم تكريس حياتهم للأنشطة الروحية ودراسة كلمة الله وتفسيرها. التعريف الدقيق لمهام المرأة، يشرحه الحاخام الكبير المسؤول عن المدرسة التلمودية حيث يدرس مائير، يقول: وظيفة المرأة كسب عيش الأسرة والحفاظ على المنزل والطهو. إلا أن ما يفوق هذا كله أهمية، هو قبل كل شيء ضرورة الإنجاب، وذلك من أجل إكثار نسل الشعب المختار! وبهذا، يكشف الحاخام أيضا عن مشروع سياسي، يقوم على منح الأرثوذكس المتطرّفين تقدّما ديموغرافيا على الحاضنة العلمانية غير المؤمنة، لكي لا يحكم أفرادها أرض إسرائيل.
ولأن زواج مائير من رفقة التي يحبّ لم يؤت ثمارَه خلال عشر سنوات، أي أنه لم يُسفر عن إنجاب أطفال، يقرّر الحاخام الأكبر أن الزوجة عاقر، وأن على الزوج هجرها والتزوّج من امرأة شابّة. أما ملكة الصغرى فمأساتها مختلفة، إذ هي موعودة لمساعد الحاخام، فيما هي مُغرمة بيوسف الذي نبذته الطائفة لأنه يريد أن يصبح موسيقيا محترفا، فيقرّر مغادرة مجتمعه المغلق وممارسة حياته حرّا خارجها.
إلام سيؤول مصير الشقيقتين؟ سترضخ رفقة للأمر الواقع، وقد قبلت بالمصير الذي اختير لها، فتنتقل للعيش في غرفةٍ بعيدا عن زوجها، حيث ستذوي وتذبُل شيئا فشيئا، وحشةً ووحدةً وفقدا، فيكون مصيرها الموت، في حين ستتمرّد ملكة على محيطها، فتقصّ شعرها قصيرا وتهرُب لملاقاة حبيبها يوسف والعيش معه.
وبالعودة إلى موضوعنا إياه، كان من الغريب أني، حين فتّشت عن أثر للفيلم في "غوغل" لاستعادة بعض تفاصيله، ثم عن مقالات مكتوبة بالعربية عنه، لم أعثر على شيء...