التجربة الحزبية في المختبر الجامعي الأردني
تشهد أغلب الجامعات الأردنية الحكومية خلال الأشهر المقبلة العودة إلى الانتخابات واتحادات الطلاب، بعد انقطاع طويل لأغلبها منذ أعوام، وتبدو التجربة الجديدة مختلفة تماماً عما سبق، إذ تأتي بعد إقرار قوانين جديدة للعملية السياسية، بخاصة الأحزب والانتخاب التي دفعت إلى تحريك ديناميكيات عديدة، منها العملان الحزبي والسياسي، في الجامعات.
وبالرغم من أنّ الأحزاب السياسية طالما كانت حاضرة في الانتخابات الجامعية الأردنية، إلاّ أنّها لم تكن تعمل بصورة مشروعة وقانونية، بالرغم من الحضور التاريخي للأحزاب الأيديولوجية، بخاصة جماعة الإخوان المسملين، في الجامعات، فيما تأتي الانتخابات الحالية بعد تطوّرات تشريعية جوهرية، تتمثّل بإقرار مشروعيّة العمل الحزبي في الجامعات، من خلال قانون الأحزاب السياسية، وإلغاء وتعديل كل المواد المتعلقة بتجريم العمل الحزبي في الجامعات أو تحريمه في قانون الجامعات، وفي قوانين الجامعات جميعاً وأنظمتها وتعليماتها المختلفة.
في مرحلةٍ لاحقة، جرى إقرار نظام الأنشطة الحزبية في الجامعات، الذي وضع إطاراً إدارياً وسياسياً لعملية إدخال الأحزاب في الجامعات، وعدّلت أغلب الجامعات التعليمات الداخلية بما يتناسب مع هذا النظام الجديد، فيما أدّى المجتمع المدني أدواراً كبيرة في تدشين ورشة داخل الجامعات الأردنية للتدريب وتطوير المهارات والقدرات وتجسير الفجوة بين الطلاب والعمل الحزبي، وبناء قنوات من الحوار والنقاش بين الإدارات الجامعية والتيارات الطلابية التي تنتمي للأحزاب أو قريبة منها.
عقد معهد السياسة والمجتمع، الأسبوع الماضي، بالتعاون مع صندوق الملك عبد الله الثاني، خلوة مهمة (الخامسة ضمن عمل المعهد مع الجامعات) حضرها وزير التربية والتعليم والتعليم العالي عزمي محافظة وعمداء شؤون الطلبة ومسؤولو الإدارات الجامعية المعنية بالأنشطة الحزبية (أسست الجامعات الحكومية إدارات خاصة بإدارة الأنشطة الحزبية والتنسيق مع الأحزاب خلال الأشهر الماضية) ونخبة من الأساتذة المؤثرين في الجامعات، وجرت في الورشة مناقشة التحدّيات الرئيسية التي تواجه الأنشطة الحزبية والانتخابات الطلابية المقبلة في الجامعات الحكومية.
بالرغم من إقرار الجميع بأنّ هنالك خطوات كبيرة ملموسة تحقّقت في توطين الأنشطة الحزبية في الجامعات، وبتجاوز عوائق ومشكلات عديدة، إلاّ أنّ هنالك إقراراً من الغالبية من المسؤولين والأكاديميين الجامعيين بأنّ هنالك تحدّيات لا تزال قوية أمام العمل الحزبي، وفي مقدّمتها الجدار الثقافي القائم بين الطلاب والعمل الحزبي، فلم يتهدّم بعد، إذ لا تزال هنالك شكوك كبيرة لدى الطلاب وهواجس من تأثير العمل الحزبي على مستقبلهم المهني، فضلاً عن أهالي الطلاب الذين لا يزالون يرفضون خوض أبنائهم التجربة الحزبية، وهنالك تساؤلاتٌ لدى غالبية الطلاب عن جدوى العمل الحزبي ابتداءًّ.
في سبيل تهديم الجدران الثقافية - النفسية، عقدت دورات وورشات عديدة، ونشطت الإدارات الجامعية والسياسية في محاولة إقناع الطلاب بالتوجهات والمرحلة الجديدة، وجرى تذليل عوائق عديدة، منها بعض التعهدات التي كان يقوم بها طلاب (مرتبطون بمكرمات معيّنة) بألا يمارسوا العمل الحزبي، إذ جرى إلغاء هذه البنود، لكن هنالك مخاوف ما زالت لدى بعض الإدارات الجامعية من فتح المجال للنشاط الحزبي، ما يجعل الرسائل الصادرة بهذا الاتجاه متضاربة من الجامعات الحكومية.
يتمثل التحدّي الآخر الرئيس بضعف الأحزاب السياسية نفسها، وعدم قدرة غالبيّتها على الوصول إلى طلاب الجامعات ولا تقديم خطابات وبرامج مقنعة لهم، ما يجعل أغلب الأحزاب لدى غالبية الطلاب بمثابة كتلة صمّاء واحدة، لا فرق بينها، ولا تسعى إلا إلى زيادة رصيدها من الشباب من دون تمكين جيل الشباب من أن تكون مشاركته نوعية.
تبدو أغلب هذه التحدّيات ذات وجاهة ومقنعة، لكن لا يمكن أن نتوقّع أن تدور العجلة الحزبية في الجامعات بصورة فورية ومرّة واحدة، فهنالك مراحل ترتبط بتعزيز الثقة والمصداقية والجدوى، لكن ما هو أهم من ذلك كله أن الانتخابات الطلابية المقبلة تمثل مختبراً مهماً لمدى قوة الأحزاب الجديدة وفعاليتها وقدرتها على الاشتباك مع الطلاب في الجامعات وفي الشارع، ومدى ملاءمة ما تطرحه من برامج وشعارات وشخصيات مع المزاج الشبابي ويُحدث فرقاً حقيقياً، وهي محطّة تنظر إليها دوائر القرار ومجسّاته بصورة دقيقة لما تعكسه من مشهد مصغّر لما ستكون عليه أوزان الأحزاب في الانتخابات النيابية إن أجريت هذا العام.