إسرائيل وخيار الحرب المفتوحة
تغيّرت قواعد اللعبة كما أراد ذلك نتنياهو وحكومته الفاشية، ودخلت الحرب في مرحلة مختلفة ستكون أكثر شراسة ودموية، فقتل أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، حدث كبير تجاوز كل الخطوط الحمراء المتفق عليها ضمنيا، وسيؤدّي حتماً إلى تداعيات خطيرة على مختلف الأصعدة، كان أولها الهجمة الصاروخية الإيرانية التي استهدفت عدة مواقع إسرائيلية. وهو الهجوم الذي لولا الدور الأميركي الكبير في التصدّي له لكانت الخسائر الإسرائيلية أضخم بكثير مما حصل، والذي تحرص الدولة العبرية على إخفائه والتقليل من شانه. وبذلك، فتح الباب أمام احتمال اندلاع حرب قد تتحوّل إقليمية مفتوحة زمنيا وجغرافيا، رغم أن غالبية الأنظمة في منطقة الشرق الأوسط ستنأى بنفسها عن المشاركة فيها بأي شكل.
تغيير القواعد في مفهوم القيادة الإسرائيلية ذو دلالات عديدة، منها: استعمال القوة الغاشمة لتسوية الملفات والخلافات، والأقوى هو الأقدر على فرض أجندته على البقية. عدم الالتزام بالقانون الدولي والمواثيق الدولية، والعودة إلى الاستعمار كمنظومة للتوسع. عدم التقيد بما تمليه القيم الأخلاقية والأعراف والضوابط والتوافقات الدبلوماسية، ما يعني استباحة الدماء والحقوق والحدود والجغرافيا.
ويدلّ ما حصل طوال الأشهر الماضية بوضوح على أن الحكومة الإسرائيلية طبّقت هذه القواعد حرفيا، وتعمل على مواصلة السير على النهج نفسه. وقد رفضت بشكل كامل كل الدعوات التي صدرت عن الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والاتحاد الأوروبي وبقية الهيئات الدولية والإقليمية. ويكفي التذكير بأن نتنياهو ألقى خطابه أخيراً في الجمعية العامة للأمم المتحدة أمام قاعة شبه فارغة بعد انسحاب أغلب الوفود الرسمية. ولم يكتف بتهديد كثير من هذه الدول، بل كان في تلك الجلسة مقدماً على ارتكاب جريمة علنية، تمثلت في اغتيال حسن نصر الله، الرجل الذي يمكن الاختلاف معه بشأن اختياراته السياسية، لكنه يتمتّع بكفاءة سياسية وقدرة على بناء التوافقات واحترام التعهدات، ويعرف أين يقف ومتى. وإذا كان اغتياله قد أضعف الحزب، وخلط الأوراق وعمّق الفراغ وفتح أبواب المجهول، إلا أن ذلك قد يؤدّي إلى نتائج لم تتوقعها تل أبيب وواشنطن. نترك هذا الأمر للزمن الذي سيكشف ما سيترتب عن هذا العنف غير المسبوق في منطقة ملتهبة، فاستعمال 83 قنبلة، كل واحدة تزن طنّا، من أجل قتل شخص، هو فعل يتجاوز في رمزيته الفرد الذي جرى اغتياله، ليدلّ على رغبة في الانتقام من أمةٍ لا يسمح لها بأن تنافس الكبار، وتفكّر في التحرّر واسترجاع حقوقها الضائعة، فوراء مشهد الدمار رسالة موجهة إلى أبناء المنطقة وشعوبها مضمونها عدم التفكير في مقارعة بني صهيون أو الوقوف وجها لوجه أمام قادتهم الذين يحكمون العالم برعاية ربانية. هذه هي خلفية الانفجار الكبير الذي هزّ بيروت، وكاد أن يدخل لبنان في متاهة بدون نهاية، فلكل حدث سياسي كبير خلفيته الرمزية التي على الجميع تفكيك ألغازها وإظهار أبعادها المستقبلية. وكلما ارتفعت نسبة الحقد والكراهية والسعي إلى تدمير العدو ازدادت، في المقابل، الرغبة في ممارسة أقصى درجات العنف واللجوء إلى أبشع الوسائل وأقساها.
القوة لا تواجه إلا بالقوة في عالم اختلت فيه الموازين، واعترف فيه الجميع بأنهم عاجزون عن إلتحكّم في الوحش الإسرائيلي وضبط تصرّفاته، فلا معنى للدبلوماسية في مثل هذه المعركة. وهذا درسٌ حي للمقاومة داخل فلسطين، فالهدف الإسرائيلي من استعراض القوة ضد لبنان وإيران هو التفرّغ لتصفية المقاومة وتدميرها نهائيا بأي ثمن وبأي وسيلة. وعلى الجميع أن يتذكّروا دعوة ذلك الصهيوني الأحمق إلى إلقاء قنبلة نووية على المقاومين داخل الأنفاق. قد يرى بعضهم ذلك ضربا من الجنون، لكن ما حدث لمقر حزب الله يدلّ على أن هؤلاء الصهاينة قادرون على ارتكاب أي جريمة مهما كانت بشعة ومحرّمة. والأدهى أن الجناح المتطرّف في تياراتهم الدينية يحرّضهم لفعل ذلك، ويبرّره توراتيا، ويجعله درجة عالية في الإيمان وكسب رضوان الرب.