إرباك إسرائيلي

10 يوليو 2022
+ الخط -

تعاني إسرائيل خلافاتٍ بين المؤسّسسة العسكرية والسياسيين. ظهر ذلك على صفحات كبرى الصحف، نيويورك تايمز، واشنطن بوست، ليتبين أن العسكر يحبّذون الاتفاق النووي مع إيران، وسط إصرار رئيس الحكومة، حتى أيام، نفتالي بينت على اعتبار أن المسالة المطروحة تمثل موضوعاً يقرّره رجال السياسة، لا القادة العسكريون. وفي كل مرّة تصل فيها الأمور في إسرائيل إلى ما يشبه طريقاً مسدوداً، في قضايا حسّاسة، تعمد الحكومات إلى التعطيل المتعمّد، بالدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة.

تواجه إسرائيل الانتخابات الخامسة في غضون ثلاث سنوات. رئيس الوزراء بينت ووزير الخارجية يائير ليبيد استنفدا الخيارات، لا لتحقيق الاستقرار في الحكومة، بل جزء من حركة التمنّع، والهروب، ما يمكن أن يفرض على الحكومة الإسرائيلية من إملاءات وقرارات سياسية، تتعلق عادة بمسائل معقدة، السلام مع الفلسطينيين، أو الإصلاحات، أو الاتفاق النووي المطروح مع إيران، وبالحد الأدنى من خسارة أصوات الناخبين. هذا عدا انقسام التحالف الحكومي، المكوّن من ثمانية أحزاب ببطء في الأسابيع الأخيرة، فالانقسامات الأيديولوجية ليست بعيدة عن السطح. أدّت إلى فشل الحكومة في تمرير العديد من مشاريع القوانين، رفيعة المستوى، من بينها تطبيق أجزاء من القانون الإسرائيلي على المستوطنين اليهود في الضفة الغربية المحتلة. أمور عكست تكهناتٍ بشأن قدرة الحكومة على الاستمرار، لكن ذلك لا يشكّل سبباً كافياً لتبرير غياب حكومي إسرائيلي "غير بريء"، يسبق زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، المنطقة بين 13 و16 يوليو/ تموز الجاري.

تعاني إسرائيل من تفكّك عوامل عديدة، تهزّ الدعم الأميركي والعالمي لها

تعاني إسرائيل من تفكّك عوامل عديدة، تهزّ الدعم الأميركي والعالمي لها. واحد منها أنها ليست دولة لمواطنيها. دولة قومية للشعب اليهودي، وهم وحدهم في فلسطين وحول معنى أنها دولة ديمقراطية، وهي تقتل المدنيين والصحافيين الفلسطينيين، ومن جنسيات مختلفة (شيرين أبو عاقلة ليست الأخيرة في مسلسل القتل اليومي). كل شعارات الدعاية التي استخدمتها قبل عقود من إنشائها في عام 1948، "من أرض بلا شعب" إلى "شعب بلا أرض"، تتهاوى الواحدة تلو الأخرى، من المؤرّخين الغربيين والمنظمات الحقوقية. تطلب الأمر تهجير ملايين الفلسطينيين، وعقوداً عديدة من ممارسة كل أشكال القمع والعنف لإنشاء دولة على النقيض من الديمقراطية. تكرارات بيروقراطية تستدعي تهكّمية المؤلف بن وايت "الفصل العنصري الإسرائيلي دليل المبتدئين". الجديد ما نشرته "هيومن رايتس ووتش"، في تقريرها في إبريل/ نيسان الماضي، تحت عنوان "حكم الفصل العنصري"، وأظهرت فيه نيّة الحكومة الإسرائيلية الحفاظ على هيمنة اليهود على الفلسطينيين في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية". يقترن الأمر بالقمع المهيمن، والأعمال اللاإنسانية المرتكبة ضد الفلسطينيين. تقرير ثانٍ، صدر هذا العام بعنوان مشابه "الفصل العنصري ضد الفلسطينيين/ نظرة على عقود من الاضطهاد والهيمنة". يتساءل معدّو التقرير عن "الفصل العنصري غير مقبول في أي مكان في العالم، فلماذا يفعلها العالم ضد الفلسطينيين". الاستنتاج، هو الوفاء بمعيارٍ يعرّف النظام الإسرائيلي بأنه "نظام فصل عنصري". هذا اجتماع توصيفي عالمي غير مسبوق منهجياً من المنظمات الحقوقية العالمية، عبر سلسلة تقارير دولية ولمراكز أبحاث غربية وإسرائيلية نفسها. تقرير المقرّر الخاص لمنظمة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان مارس/ آذار الماضي، جاء ليؤكّد حالة الفصل العنصري السائدة في منطقة فلسطين: "إذا كان المجتمع الدولي قد تصرّف حقاً قبل 40 عاماً أو 30 عاماً، فلن نتحدّث عن الفصل العنصري اليوم". استغرق الأمر وقتاً، حتى تترجم هذه الحقائق إلى تغيير في الرأي العام بين صفوف الأميركيين (تقرير المعهد اليهودي للأبحاث، مجموعة من اليهود الديمقراطيين). اللافت في التقرير نسبة الأصغر سناً من الإسرائيليين الجدد، 35% ممن يعتقدون "أن إسرائيل هي دولة الفصل العنصري"، و33% "إسرائيل ترتكب إبادات جماعية".

هذا في وقت لم تخمد نهائياً عاصفة الردود الإسرائيلية جرّاء تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عن "الدم اليهودي للرايخ الثالث هتلر". وكان الأمر قد استدعى ردوداً صارمة من تل أبيب التي اعتبرت أنها "مغالطة لا تغتفر تنال من أهوال محارق النازية". وليس ما ساقه لافروف عرضياً، والتزم الصمت بعدها. يتعلق الأمر بذاكرة تاريخية تركت وحدها، وتحولت مادّة يجري تداولها الآن، على خلفية الحرب الأوكرانية.

إسرائيل في أزمة داخلية، تهرُب لتسوّق ديمقراطية غير مستقرّة، من دون أن يطاول ذلك جوهر قراراتها الأمنية وسياساتها الاستراتيجية

وفي الواقع، تعاني العلاقات بين روسيا وإسرائيل شقوقاً، يقف فيها الجانبان على منصّات متباعدة. ليس تصريح لافروف السبب الوحيد الذي سبّب الارتياب المتبادل. أصابت روسيا في حربها على أوكرانيا إسرائيل مقتلاً بشأن جذور هتلر اليهودية، وطرحت التعارض الإسرائيلي الكياني بين الماضي والحاضر، من نوع أن تكون الأخيرة خارج وعي الزمن. زمن التاريخ هو زمن الألسنية/ من نوع السجالات الدائرة بين الطرفين، وقد وضعت أسرار الرايخ الثالث وأصوله على طاولة الحرب المحتدمة بين موسكو وكييف.

إسرائيل في أزمة داخلية، نوع من حرب الألسنة يحاصرها. لكنها تهرُب لتسوّق ديمقراطية غير مستقرّة، من دون أن يطاول ذلك جوهر قراراتها الأمنية وسياساتها الاستراتيجية. لن تتراجع إسرائيل عن حملات التطبيع مع العالم العربي، ولا عن موقفها الرسمي المعلن، رفض العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران كما هو. لا تريد بالقدر نفسه التحضير للأسوأ مع إيران، فتقترح التأجيل على التوقيع سنتين أو ثلاثة، فتستكمل عناصر هيمنتها السوسيولوجية على المنطقة، وتعتقد أن عوامل مساعدة تؤثر لمساعدتها، منها تصاعد أزمات إيران الداخلية.

في المقابل، تستفيد إسرائيل من رفع مساهمات الكونغرس 3.8 مليار دولار، ومن عائدات اتفاقياتها الاقتصادية والتجارية مع الدول العربية وتركيا. ثم تحولها إلى منصة غاز شرق أوسطية، باحتلالها المياه الاقتصادية اللبنانية والفلسطينية، فتطوّر علاقاتها مع المفوضية الأوروبية. إذ تشير الاستطلاعات إلى ملامح عودة الليكود إلى السلطة، ولكنه أمر آخر إن كان سيتمكّن من تشكيل حكومة ائتلافية. نتنياهو الذي أمضى نحو 15 عاماً في رئاسة الحكومة الإسرائيلية يقول: "أعتقد أن الرياح تغيرت"، في إشارة إلى حكومة بينت ونهاية رحلتها السياسية. ولكن عن أي رياح سموم يتحدّث نتنياهو؟

يقظان التقي
يقظان التقي
إعلامي وأكاديمي ومترجم لبناني، له عدد من الكتب، دكتوراة في الدبلوماسية والعلاقات الدولية.