إخوان الأردن .. الحلم والواقع
دفع نظام المساهمة المالية (في دعم الأحزاب السياسية في الأردن) بالأحزاب السياسية إلى تعزيز مشاركتها في الانتخابات النيابية، فالنظام وضع شروطاً لدعم الأحزاب مالياً، مرتبطة بوجود مرشحين علنيين باسمها وبمشاركتها في قوائم معينة مع تحالفاتٍ أخرى، وبنسبة مشاركة الشباب (أقل من 35 عاماً) في قوائمها، وهكذا..
سابقاً، كانت الأحزاب تخوض الانتخابات بمرشحين غير معلنين، خشيةً من عدم قبول القاعدة العشائرية لدعمهم. أما اليوم، فيبدو المشهد مختلفاً عندما ننظر إلى حجم المشاركة العلنية للأحزاب السياسية ونمطها؛ وهو الأمر الذي وقف وراءه وزير الشؤون السياسية والبرلمانية، موسى المعايطة، فقد هندس النظام الجديد لإحداث التغيير في دور الأحزاب في الانتخابات، وتشجيعها على المشاركة. التغيّر ما يزال شكلياً، وليس جوهرياً. وعلى الأغلب، بسبب قانون الانتخاب أولاً، وبسبب ضعف الأحزاب ثانياً، وتراجع حضورها وقوتها لدى جيل الشباب اليوم ثالثاً، فإنّ نسبة النواب الذين سيصلون إلى مجلس النواب، ويمثّلون بحق الأحزاب السياسية ستكون محدودة جداً، ولن يكون هنالك فرق ملحوظ عن المجالس السابقة.
وحده حزب جبهة العمل الإسلامي (يمثّل جماعة الإخوان المسلمين الأمّ في الانتخابات) هو الذي لم يجد مشكلةً أو عائقاً حقيقياً في تشكيل قوائم كبيرة في أغلب المحافظات، والدوائر الانتخابية، من خلال التحالف الوطني للإصلاح الذي يضم، بالإضافة إلى الإسلاميين، ممثلين آخرين مستقلين.
حافظ الحزب على النمط العام لمشاركته النيابية في الانتخابات، فنزل من دون شعاره التقليدي "الإسلام هو الحل"، وبقوائم شبيهة بالتي خاض فيها الانتخابات السابقة، مع تركيز واضح تماماً على العاصمة عمّان والزرقاء كمعقلين رئيسيين للإسلاميين، مع تراجع قوتهم الانتخابية في إربد التي لطالما كانت معقلاً لهم في السابق. وترجّح التوقعات حفاظ الحزب على "الحجم السابق" من النواب في المجلس المقبل (قرابة 8%) فقط (مقارنةً بفترات سابقة كانت تصل إلى أكثر من 30%، ومع الإسلاميين الآخرين إلى 50%، لكن الإشارات المرسلة من الحزب تنمّ عن قبوله بهذا الحجم مرحلياً، في محاولةٍ للوصول إلى تفاهماتٍ جديدة مع الدولة، بعد أزماتٍ عاصفةٍ متتالية، نجم عنها حظر جماعة الإخوان قانونياً ومصادرة ممتلكاتها.
ما يحاول حزب جبهة العمل الإسلامي القيام به حالياً هو العودة إلى قواعد اللعبة التقليدية، المشاركة لا المغالبة (بما يذكّرنا بكتاب الباحث والأكاديمي الأميركي، ناثان براون، حينما يكون النصر ليس خياراً! (When Victory is Not an Option)، بعدما حاول الحزب تغيير قواعد اللعبة مع الدولة خلال لحظة الربيع العربي، عندما طرح بعض قادته شعار "من المشاركة إلى الشراكة"، وقدّموا مطالب تتضمّن تعديلات دستورية جوهرية، وتغييرات في بنية النظام السياسي، ورفضوا المشاركة في لجنة الحوار الوطني.
على الرغم من هذا الاستقرار النسبي في حجم الترشيح ونمطه والحملات الانتخابية، وعلى الرغم، كذلك، مما يبدو من حفاظ الحزب على قاعدة شعبية معتبرة، وعلى الرغم من الانشقاقات العديدة التي حدثت، ومن حظر الجماعة وتقطيع أوصال شبكته الاجتماعية (كانت تمثل مصدراً مهماً للتجنيد والدعم اللوجستي والمالي)، فإنّ ما يلفت الانتباه عدم بروز قيادات وأفكار جديدة في مشاركة الحزب، فالخطاب التقليدي نفسه، وأغلب المرشّحين الحاليين هم ممن خاضوا الانتخابات السابقة، من بينهم نواب الحزب، ما يعني أنّ ماكينة التطوير والتجديد لا تبدو فاعلة ومؤثرة.
شارك الحزب لأنّ تجربة المقاطعة لم تكن مفيدة، وفي محاولة لترميم العلاقة مع الدولة. ولكن من الواضح أنّ ذلك يفقد الإسلاميين البريق السابق، عندما قدّموا أنفسهم قوى تغيير كبرى، وعدم القدرة على اجتراح خطابٍ ودعاية ومشروع جديد بديلاً للخطاب التقليدي، بينما قد ينظر إليه، من زاوية أخرى، بوصفه واقعية وبراغماتية سياسية. مع ذلك، يبقى سؤال التجديد والإصلاح والتغيير الحقيقي في خطاب الحزب ورؤيته الفكرية والأيديولوجية والسياسية. وعلى الرغم من أنّه قدّم وثيقة سياسية للإصلاح (عام 2019)، إلا أنّ هنالك اليوم ضرورة لمراجعة حقيقية للخطاب الفكري - الأيديولوجي بأسره، في ظل التغيرات ليس فقط السياسية، بل أيضاً الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تعصف بالمنطقة بأسرها.