أوميكرون يحرف الاقتصاد والسياسة
تتناثر التقارير وتتكاثر من جديد حول القصة ذاتها، نموذج آخر من الفيروس التاجي، كورونا، يحمل هذه المرة اسم أوميكرون، والمعلومات المتوافرة أنه ينتشر بسرعة أكبر من النسخ السابقة. يبدو أن الفيروس لا يضيع وقته، فهو يعمل على إنتاج نسخ متجدّدة من نفسه، تتقدّم بخطوةٍ أو أكثر عن جهود العلماء ومراكز البحث اللاهثة لإنتاج علاج شافٍ من دون جدوى كافية... تتقاطع أخبار الفيروس الجديد وسرعة انتشاره مع إعلانات الرحلات وأماكن قضاء أعياد الميلاد ورأس السنة، ولطالما اعتمد اقتصاد الدول على النشاط التجاري للعطلات، إذ يتوقف العمل جماعياً، ويبدأ موسم الإنفاق الجنوني، وتُعَدّ الدورة المالية التي تعتمد على العطلات عامل رفد مادي من مبادئ الاقتصاد الغربي. ونظراً إلى ظروف الإغلاق الجزئي أو الكلي خلال العامين الماضيين، تحمل هذه السنة مؤشّراتٍ بجعل الاقتصاد الغربي يترنّح قليلاً ويتراجع، ويبدو أنّ أوميكرون يشكل تهديداً فعلياً لاقتصاد رأس السنة، فقد أطلق رؤساء عديدون تحذيرات من انتشاره قد يكون أكثرها قلقاً ما قاله جو بايدن، عن أنّ "غير الملقحين عرضة لشتاء متخم بالمرض الشديد أو الموت". وجاء تحذير آخر من وزراء الصحة في مجموعة السبعة الكبار، أنّ الفيروس الجديد يشكل أكبر تهديد، وهو تحذيرٌ يأخذه الساسة ورجال الاقتصاد بالاعتبار، قبل اتخاذ الخطوة التالية.
تأثر الاقتصاد بوضوح خلال فترة المعاناة الماضية، إذ كانت سياسات الإغلاق ومنع السفر والحد من الحركة وسيلة الدفاع الرئيسية لمكافحة الفيروس، ولاحقاً تم اللجوء إلى سلاح اللقاحات التي لا يمكن حتى اللحظة تحديد مدى نجاحها، لكنّها صارت الوسيلة الرئيسية، بعدما خنقت الإغلاقات الاقتصاد. قد يكون الاقتصاد المضمار الرئيسي الذي واجه انحداراً مخيفاً، لكنّ ميادين التعامل الدولي الأخرى قد تأثرت أيضاً، ومنها السياسة، فقد ساهمت السياسات المتخذة تجاه الفيروس في توجيه الناخب نحو مرشّح بعينه، فصبت مثلاً في أميركا بمصلحة بايدن الذي يتبنّى سياساتٍ صارمةً تجاه الفيروس، وقد تحوّلت معظم بنود حملته الانتخابية إلى الطرق التي سيواجهه بها، وكان من نتيجة هذه السياسة انكفاء أميركي نحو الداخل، فانسحبت من أفغانستان بسرعة مفاجئة تاركةً وراءها فوضى عارمة. وفي ألمانيا، خسر حزب أنجيلا ميركل الانتخابات لمصلحة أحزاب أخرى، من ضمنها حزب الخضر الذي استطاعت رئيسته الوصول إلى منصب وزيرة الخارجية في ألمانيا التي تشارك في اجتماعات مجموعة السبعة الكبار، وستناقش، مع زملائها، قضايا هامة، كالتوترات في بحر الصين أو الوضع في أوكرانيا وأبعاد الاتفاق النووي مع إيران، وذلك كله من منظور الحزب الأخضر الذي يحمل أولويات بيئية ستنعكس على الأداء السياسي.
حالة الشك الصحي التي ينشرها تناسخ الفيروس وتعدّد أشكاله، ثم تطوير نماذج سريعة الانتشار منه، مع عدم وجود ضماناتٍ أو إحصائيات إيجابية موثوقة من فعالية البروتوكول العلاجي الحالي، تطرح حالةً من عدم التعيين، بما يعني إمكانية الغرق في موجةٍ أخرى من الركود العام على مستوى الكوكب، سترافقها حالةٌ سياسيةٌ قد تشكِّل فرصة لكل من الصين وروسيا المتربصتين للتحرّك خطوة إلى الأمام، الصين بمزيد من التقدّم في جبهات العالم المختلفة، وخصوصاً في بحر الصين لمواجهة الاتفاق الأميركي الأسترالي حول الغواصات النووية. أما روسيا، فهي تحاول وضع خط غازها الجديد الذي يصلها بأوروبا عبر بحر البلطيق، موضع التشغيل، ولكن ملفها الأهم هو أوكرانيا. وفي ضوء مواقف متردّدة متأثرة بضمور اقتصادي وتخوف صحي، يمكن روسيا أن تبني موقفاً أقوى. أما الملف الملحّ في منطقة الشرق الأوسط، فهو الحالة النووية الإيرانية، وهذه تتطلب موقفاً صلباً لا يبديه بايدن حتى الآن، ما قد يهدّد هذه المباحثات، وعندها لا يكون الفيروس قد انتصر على سكان الأرض، لكنّه قدّم خدماتٍ جليلةً في تغيير مساراتها.