أنقذوا تونس من الكراهية والحقد

21 يوليو 2024
+ الخط -

من أي منبع فاض كل هذا الحقد والشماتة والكراهية والرغبة في الانتقام والتخلص من الخصوم والمخالفين؟. سؤال يلح كثيرا هذه الأيام وأنا أتابع تعاليق وتصريحات، بالخصوص في مواقع التواصل الاجتماعي. لقد تحولت هذه المواقع إلى أسلحة يتقاتل من خلالها بعضهم في كل مكان وفي كل الأوقات. ويكفي أن تنشر تعليقا صغيرا على صفحتك، بعد فترة طويلة من الصمت، حتى يقصفك عشراتٌ، ممن لا تعرفهم ولا يعرفونك، بكلمات نابية، فتتساءل إن كانوا يتربّصون بك حتى إذا فتحت فمك انهالوا عليك ببذاءتهم وجهلهم وحقدهم، كأنك ارتكبت جرما في حقهم. كن حذرا في الردّ، لأن المرسوم 54 قد يُستعمل ضدّك في أي لحظة.

هذا مناخ مسموم لن يساعد على إجراء انتخابات نزيهة وديمقراطية وتعدّدية. هناك من يسعون إلى إشاعة الخوف على نطاق واسع، حتى يحجم أصحاب الرأي المخالف، ليس فقط عن المشاركة أو التفكير في الترشّح، وإنما أيضا عن التعبير بحرية عن أفكارهم واختياراتهم. وما يثير القلق إلى حد الإحباط أن تلك التهديدات التي يسمح بعضهم لأنفسهم بتوجيهها إلى شخصيات فقدت قدرة الرد على خصومهم بحكم وجودهم في السجون، أو لاعتبارات أخرى. إذ كيف نفسّر ما جاء على لسان نائب اعتبر أن المساجين السياسيين "مكانُهُم السُّجون والمَقابر". وفي إشارة إلى راشد الغنوشي لم يتردد في القول إنه "كان ينبغي أن يُعدَم منذ سنة 1981". وهو ما اعتُبر "تصريحا إجراميا خطيرا جدًّا، في استحضار الرُّوح الشِّرِّيرة للسَّفَّاح ومجرم الحرب بُولْ بُوتْ، و"دعوة إلى السَّحل" والقتل" و"تمجيد الجريمة" و"حمل السُّكَّان على مُهاجمة بعضهم بعضا بالسِّلاح وإثارة الهَرج والقَتل والسَّلب بالتُّراب التُّونسي"، وذلك على معنى الفصل 72 من المجلَة الجزائيَّة التُونسيَّة".

ثلب شخصية اعتبارية من مناضلي اليسار التونسي خلال السبعينات من القرن الماضي (عز الدين الحزڨي) بالقول " مخّك أنت هو المقلوب! خربت دار ولدك في جرة (بسبب) عمالتك للغنوشي يا ... تستحق المصائب الهابطة عليك الكل!". لم يأخذ بالاعتبار شجاعة الرجل في عهدي بورقيبة وبن علي. ولم يقدّر المحنة التي يمر بها رغم سنه المقدم، فغامر بحياته وأضرب عن الطعام احتجاجا على اعتقال ابنه جوهر بن مبارك بدون جريمة واضحة وأدلة قطعية.

عندما يبلغ الحقد هذه الدرجة يصبح خطراً على وحدة المجتمع وعلى السلم الأهلي، فمجتمعٌ تفترسه الكراهية والبغضاء بهذا الشكل لن يكون صالحا لممارسة الديمقراطية وفق قواعدها الأصيلة التي تتطلّب الحد الأدنى من الضوابط والأخلاق. فإذا كنت تعمل على التخلص مني بأي وسيلة فذلك سلوك منافٍ لمبدأ التعايش السلمي الذي بدونه لن تكن هناك حقوق، ولن هناك تنافس. ولا نعتقد أن التونسيين يعملون على فقدان وحدة مصيرهم وتفجير وجودهم الجماعي وإقصاء الأغلبية من الاهتمام بالشأن العام.

تحتاج التربية على الديمقراطية وقتاً وصبراً. ومن يحاول استغلال عثرات الانتقال الديمقراطي من أجل محاصرة الحرية وفضاءاتها ستكون النتيجة مزيد من الإصرار والرغبة في التحدّي، ليس فقط في صفوف النخبة التي فشلت في السابق، ولكن حتى في صفوف الذين أيّدوا سياسات التشدّد من سيدركون، في لحظة ما، أن الاختلاف والتعدّد بمثابة القدر الذي لا يمكن تجنبه مهما اشتد الحصار.

لابد من الاعتراف بأنه كلما اكتسح طرفٌ ما المشهد السياسي إلا وجنح نحو الانفراد بالسلطة، وأن المعارك الأيديولوجية السابقة لا تزال آثارها مستمرّة وفاعلة، مثلما يحصل مع الأمراض المزمنة. ومع أهمية هذه الملاحظة لفهم الحالة وتشخيصها، لم تشهد المرحلة الماضية موجة واسعة من التضييق الشديد على الحرّيات السياسية. حصل نزوعٌ نحو استعمال الدولة في تحقيق تغوّل هذا الطرف أو ذاك، رغم ذلك حوفظ على الحدّ الأدنى من التنوع وحرّية المبادرة، فإغلاق الأبواب والنوافذ بشكلٍ كامل يؤدّي إلى الاختناق والموت أو إلى الانفجار والتمرّد.

266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس