أستراليا وحلم النادي النووي
قد يكون ذكر أستراليا في منطقتنا مربوطاً بأنها مكانٌ ملائم للهجرة، فهي قارّة شاسعة بعدد سكان قليل ونسبة عالية جدّاً من التحضّر، ولكنها تتصدّر حالياً نشرات الأخبار، واسمها يرتبط بغواصات نووية، فقد مزّقت أستراليا قبل أيام عقداً قيمته تسعون مليار دولار مع فرنسا بشأن بناء غواصات تسير بمحرّكات ذات وقود تقليدي، بعد دخولها مع الولايات المتحدة وبريطانيا في اتفاقية جديدة، تمنح بموجبها الدولتان كل التكنولوجيا اللازمة لأستراليا لإنتاج غواصات نووية. وتبدو فرنسا ممتعضةً بسبب فشل صفقتها الكبرى، وقد خسرت للتوّ مبلغاً ضخماً ونفوذاً في منطقةٍ بعيدةٍ في المحيط الهادئ. أما الصين فقدَّرت أن الاتفاقية الجديدة موجّهة ضدها، على الرغم من أن الولايات المتحدة قد أكّدت أن هذه الغواصات لا تحمل أسلحة نووية، ولكن ذلك بالنسبة إلى الصين لم يكن كافياً، فوصفته بأنه تهديدٌ لسلام بحر الصين الجنوبي الذي تعتبره مجالاً حيوياً خالصاً لها، وتقوم بنشاطات عسكرية فيه من وقت إلى آخر.
اتفاق الغواصات التي ستنتجها أستراليا باستيراد التكنولوجيا الأميركية – البريطانية سيضعها في نادي الدول المالكة هذا النوع من الغواصات، وعددها حالياً ستة. فبالإضافة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا، هناك فرنسا والصين وروسيا، ويمكن أن تُضاف إلى هذه الدول الهند التي تستأجر غوّاصة روسية، وتتطلّع الآن أستراليا إلى أن تُضاف إلى القائمة. يتيح هذا السلاح إمكانية مناورة عالية وقدرة على التخفي والتحرك، من دون التزوّد بالوقود، فالمفاعل النووي الصغير الذي يعمل في الغواصة يعطيها القدرة على الإبحار ثلاثين سنة متواصلة، والغوص أشهراً عديدة، ما يمنحها الاستطاعة للمبادرة بشنّ هجماتٍ، فضلاً عن القدرات الدفاعية، وهذا ما جعل وزير الخارجية الصيني يحذّر من جولة جديدة من الحرب الباردة في منطقة بحر الصين الجنوبي التي تتسابق فيها الدول لتطوير الأسلحة وتخزينها.
استعادت الصين، منذ عام 1997، سيطرتها على هونغ كونغ ومنحتها حكماً ذاتياً، وتبنّت مقولة بلد واحد ونظامين، وهي تشدّ قبضتها عليها شيئاً فشيئاً، ولكن عينها الأخرى على تايوان، الجزيرة المتمرّدة، التي لا تبعد أكثر من 160 كيلومتراً عن الشواطئ الصينية. وكان قائد القوات الأميركية في منطقة المحيطين، الهادئ والهندي، الأدميرال فيليب ديفدسون، قد قال، في وقت مبكر من هذا العام، إنه يخشى أن يكون الصينيون بصدد مشروعٍ للحلول محل الولايات المتحدة في المنطقة، وقد تبادر الصين بغزو تايوان خلال السنوات الست المقبلة. تتوجّس الولايات المتحدة من التحرّك الصيني، وكان دونالد ترامب قد حذّر وتحرّك باكراً لمواجهة الصين. ولعله كان يُعدّ لخطة شاملة بدأها بمنع شركات صينية كثيرة من الوجود في الأسواق الأميركية، وأهمها شركة هواوي العملاقة. وكان الرئيس جو بايدن، خلال حملته الانتخابية، قد أوضح أن الصين ستحظى "بمكانة خاصة" في برنامج إدارته، وهو ما قام به بالفعل بعد إعلان هذا الاتفاق مع الأستراليين.
من الممكن أن تواجه أستراليا معارضة محلية لنشاطها النووي، وهي بلد غير نووي، ولديها معاهدات دولية تقضي بعدم تطوير الأسلحة النووية، مع إمكانية استخدام أراضيها لدفن النفايات النووية الناتجة من تسيير الغواصات. إلى جانب ذلك، هناك ما يمكن أن تقوم به الصين، وهو أمرٌ ما زال مجهولاً. ولكن معروفٌ أن للصين مخططاً طويل الأمد، وعلى مستوى دولي، لإقامة شبكاتٍ من الطرق والسكك الحديدية تحت عنوان الحزام والطريق. بالإضافة إلى مشروعها الداخلي الذي أنتج تنميةً معقولةً، ونهضة صناعية لافتة، ويمكن أيَّ اهتزاز عسكري في البحر الجنوبي أن يهدّد هذين المشروعين الكبيرين، وقد يكون تنفيذ مشروعاتها الداخلية مؤجلاً الآن حتى احتلالها تايوان، وهذا كله قد يجعل رد فعلها على الاتفاق الثلاثي حذراً، وقد لا يتجاوز حد الإعلام. يبقى أن تستوعب فرنسا هذه الصدمة، وتبحث لها عن موطئ قدم جديد جنوب الصين.