أردوغان في عمّان: الحوار الاستراتيجي المفقود
كان يُفترض أن يكون الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في عمّان مساء اليوم الأحد، قبل أن تتحدّث مصادر أردنية عن تأجيل الزيارة، وهو الأمر الذي يبدو أنه كان شبه محسوم، حتى ساعة كتابة هذا المقال، فيما يأتي تأجيل الزيارة المحتمل ليس مرتبطاً بأسباب سياسية، بل على الأغلب لوجيستية طارئة. وبعيداً عن هذا الجدل، الملاحظ منذ أعوام أن علاقات شخصية دافئة تجمع الرئيس التركي بالملك عبدالله الثاني، على الرغم من وجود تباين واضح في رؤية الدولتين لمصالحهما وتحالفاتهما في المنطقة، ومن التعارض، غير المعلن، في أحيانٍ كثيرة بين هاتين الرؤيتين.
منذ أعوام، تحسّنت العلاقة الشخصية بين الملك والرئيس بصورة ملحوظة، وأخذت طابع الصداقة، بعد أن كانت هنالك، قبل ذلك، شكوك ملحوظة لدى الأردن في الموقف التركي بخاصة فيما يتعلق بالإسلام السياسي. وقد انتقلت العلاقة خلال لحظة دقيقة إلى مرحلة أعلى من التحالف السياسي في مواجهة مخطط إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، تجاه القضية الفلسطينية، سواء في موقف الدولتين الرافض علناً نقل السفارة الأميركية إلى القدس، أو رفضهما الضمني صفقة القرن. لكن سرعان ما بدا أنّ ذلك التقارب في حينه، والذي تُرجم في قمة منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول (في العام 2018)، قد تبدّد بسرعة كبيرة، من دون وجود أسباب واضحة لماذا يحدث الجمود أو الجليد في العلاقة في فترات معينة، ولماذا تصبح المياه دافئة بصورة مفاجئة أيضاً؟!
حدثت، في الآونة الأخيرة، تغيرات ملحوظة في البيئة السياسية الدولية والإقليمية، وبدا واضحاً أنّ الرئيس التركي أكثر براغماتية مما يظن أصدقاؤه ومنافسوه على السواء، فقام باستدارات ملحوظة في العلاقة بينه وبين كل من السعودية والإمارات، ثم في تحريك المياه الراكدة مع إسرائيل، بعد زيارة الرئيس الإسرائيلي، هيرتزوغ، أنقرة، والحديث الودي بين الدولتين، فضلاً عن محاولات تخفيف حدّة التوتر مع القاهرة.
في المقابل، استقبل الأردن، وربما من باب المقارنة اللطيفة، هو الآخر الرئيس الإسرائيلي في عمان، بعد أيام قليلة من زيارته أنقرة، وهنالك محاولات أردنية لاستعادة الدور الإقليمي للمملكة، بخاصة بعد مرحلة كل من ترامب ونتنياهو، في وقت نلحظ فيه تقارباً أردنياً إماراتياً مصرياً عراقياً، في محاولة لتطوير موقف مشترك وتفاهمات حول الموقف العربي مما يحدث في العالم وفي الإقليم.
ثمّة تفاهماتٌ وحساباتٌ كثيرة لا تقال ولا تفهم مباشرة في سياسات الدول العربية، وهو أمر واضح في الأعوام الأخيرة، فيحدُث أن يحدُث تبريد، وربما جمود وتوترات، في علاقات دول متحالفة، من دون أن يكون واضحاً أو في الحدّ الأدنى معلناً سبب هذا التوتر، والعكس صحيح، وهو الأمر الذي ينطبق على علاقات دول عربية عديدة بتركيا، بصورة خاصة، التي ينظر إليها وكأنّها خصم أو تحدٍّ أو عدو، وليس حليفا أو صديقا يمكن التفاهم معه على بناء تفاهمات للمصالح الاستراتيجية والأمنية المشتركة.
يقود ما سبق إلى الفجوة الواضحة في العلاقات الأردنية – التركية، وتتمثّل في عدم وجود حوار استراتيحي يؤطّر المفاهيم التي تحكم العلاقة بين الدولتين، ما هي رؤيتهما إلى المصالح المشتركة؟ ما هي رؤيتهما إلى ما يدور في الإقليم والمنطقة؟ كيف يمكن التخفيف من حدّة الاختلاف أو التباين في وجهات النظر في مقابل تعزيز نقاط التوافق والاتفاق؟ ما هي الآفاق المستقبلية للتعاون بين الطرفين؟
هكذا من المفترض أن تُبنى العلاقات بين الدول، أي على الوضوح الاستراتيجي فيما يتعلق بالمصالح ومصادر التهديد والتعاون مع الملفات الإقليمية، ويترك موضوع الغموض أو التكهن لبعض الجزئيات والملفات الصغيرة، وليس العكس!
يمكن القول إن ما يجمع العلاقات الأردنية - التركية أكبر بكثير مما يفرّقهما، سواء على صعيد العلاقة الشخصية الدافئة بين القيادتين، أو الموقف من القضية الفلسطينية وحماية حقوق الفلسطينيين والقدس والمسجد الأقصى أو ما يتعلق بالحفاظ على الأمن والسلم الإقليميين، وهي جميعاً ملفات ضخمة تشكل أرضية كبيرة للتوافق وليس الاختلاف.