تتكامل أدوار مؤسسات إسرائيل الفاعلة في قمع الفلسطينيين، إذ يحظى المستوطنون المسلحون بحماية وتنسيق مع أمن الاحتلال أثناء تنفيذ اعتداءاتهم، عبر منظمات تدعي أن أهدافها غير سياسية، لكنها تحرض دون مواربة على القتل.
- اضطرت الأربعينية ريم أبو زايد والتي تسكن في حي "شنير" بمدينة اللد المحتلة للمبيت مع أبنائها طيلة أيام عيد الفطر الماضي، لدى أهلها في مدينة رام الله، خوفا من اعتداء المستوطنين القادمين من الضفة الغربية عليهم في حال عودتهم إلى البيت، وحسمت أبو زايد قرارها بعد مشاهدة مقطع فيديو لعضو الكنيست ورئيس حزب "قوة يهودية" إيتمار بن غبير بثه عبر حسابه الرسمي على "فيسبوك"، يظهر فيه مع مجموعة من المستوطنين على مدخل اللد.
شاركتها المخاوف الثلاثينية جهاد الطوري، من سكان حي المحطة باللد، والذي شهد اشتباكات عنيفة بين الفلسطينيين وشرطة الاحتلال من 13 وحتى 16 مايو/أيار الماضي، موضحة أنها لم تتمكن من الوصول إلى أهلها لمعايدتهم في بلدة بيت لقيا غرب رام الله، بسبب انتشار المستوطنين في شوارع المدينة وعلى مدخلها الرئيسي.
هذه المخاوف ترجمتها لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، على شكل رسالة تتضمن طلب الحماية الدولية من مفوضة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشيل باشليه وسفراء الاتحاد الأوروبي في إسرائيل، وفق ما يكشفه القيادي في حزب التجمع الوطني سامي أبو شحادة لـ"العربي الجديد".
تنسيق مع الجهات الرسمية
استشهد الشاب موسى حسونة من مدينة اللد بعد إطلاق أربعة مستوطنين النار باتجاهه في 11 مايو، وأعقبت ذلك مواجهات عنيفة بين الفلسطينيين وشرطة الاحتلال في المدينة، واللافت أن وزير الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال أمير أوحانا قال في اليوم التالي عبر تغريدة على تويتر إن "اعتقال المستوطنين المتورطين في عملية القتل أمر مروع لأنهم كانوا يدافعون عن أنفسهم والمواطنون المسلحون عبارة عن قوة مضاعفة بيد السلطة، لمقدرتهم على تحييد الخطر بشكل سريع".
ويعترف نائب رئيس بلدية اللد يوسي أروس في مقطع مصور بتاريخ 12 مايو خلال جلسة للبلدية بحضور وزير داخلية الاحتلال أرييه درعي وعضو الكنيست جيلا جملائيل من حزب الليكود الحاكم، بأنه أبلغ شرطة الاحتلال مسبقا بنية المئات من المستوطنين المسلحين، بينهم جنود احتياط، القدوم من الضفة الغربية إلى مدينة اللد من أجل "حماية ممتلكات اليهود في المدينة"، محذرا الفلسطينيين من مغادرة منازلهم، فيما يؤكد أبو شحادة وكذلك مقطع مصور بثه مستوطنون من المشاركين في أحداث اللد، على مواقع التواصل الاجتماعي في 12 مايو، أن المسلحين استخدموا مبنى البلدية لتخزين عتادهم والاستراحة.
المستوطنون جزء من أدوات نظام القمع الإسرائيلي في الداخل المحتل
ووثق معد التحقيق وجود المستوطنين في مدينة اللد عبر حسابات بعضهم على تويتر، فمثلا نشر حساب يدعى "أمير أمستردام" من مدينة اللد كما جاء على صفحته بتاريخ 11 مايو صورة لمجموعة من مستوطنين يتسهار القريبة من نابلس معلقا: "الآن مجموعة من يتسهار بالهراوات وأشياء أخرى يتواجدون في حي رامات أشكول (باللد)، ولعل هذا أكثر ما يهدئ السكان"، وقد انتشرت ذات الصورة على مواقع إخبارية تابعة للمستوطنين من بينها موقع "الصوت اليهودي" و"كيباه".
مليشيات لا فاميليا ولاهافا
في المواجهات التي شهدتها مدن اللد وحيفا وعكا، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لعشرات المستوطنين يلبسون قمصانا مطبوعا عليها شعار حركة "لا فاميليا" اليهودية خلال قيامهم بالتنكيل بشاب فلسطيني في مدينة بات يام القريبة من يافا، وتكشف إحدى الدعوات التي وزعتها المنظمة ورصدها معد التحقيق، عبر تويتر، أنها وجهت عناصرها للدخول إلى مدينة يافا بتاريخ 13 مايو من أجل تنفيذ عمليات طعن وحرق ضد الفلسطينيين، وجاء في نص الدعوة: "الأعضاء الأعزاء.. نظرا لعدم وجود قوات كبيرة من الشرطة في يافا يمكن البدء بعمليات طعن وحرق.. أطرقوا الأبواب وإن وجدتم أن البيت يعود ليهود اعتذروا من صاحبه، أما إن كان لعربي فقوموا بطعنه".
ويقول عضو المكتب السياسي لحركة أبناء البلد في الداخل المحتل، لؤي الخطيب، إن دعوات القتل التي توزعها حركة "لا فاميليا" مكشوفة للأمن الإسرائيلي، لكنه لم يحرك ساكنا ضدها، بل ويسهل لهم الوصول إلى المناطق العربية، مشيرا إلى أنه ومجموعة من القيادات في الداخل اضطروا للإعلان عن فتح باب التطوع لتشكيل لجان حراسة من أجل صد أعضاء المجموعة الذين يتجمعون بشكل واضح على بعض مداخل البلدات الفلسطينية، وهنا تكمن مفارقة تدلل على التنسيق المشترك بين المستوطنين والشرطة كما يرى أبو شحادة، موضحا أن شرطة الاحتلال منعت حافلات فلسطينيي الداخل من الوصول إلى الأقصى، فيما تتيح الأمر للمستوطنين الذين يصلون لمشارف البلدات الفلسطينية رغم تهديداتهم المعلنة بارتكاب الجرائم.
"وفي النهاية المليشيات المسلحة الإسرائيلية" جزء من أدوات القمع في الداخل المحتل، وهذه الظاهرة لم تعد حكرا على مستوطني الضفة الغربية، فأيضا في الداخل والقدس تتبنى المليشيات شعارات غير سياسية في البداية ومن ثم تتحول إلى مجموعات قتل وترهيب، ويتفق شحادة والخطيب، على اشتراك مكونات النظام الإسرائيلي في ذات الهدف بوسائل مختلفة. وتعتبر حركة "لا فاميليا" التي تستوحي اسمها من المافيا الإيطالية إحدى أهم منظمات المستوطنين الفاعلة في الداخل المحتل، كما يوضح الباحث في الشأن الإسرائيلي بمركز الخدمات الاستراتيجية والترجمة العبرية عصمت منصور وعضو المكتب السياسي لأبناء البلد بالداخل المحتل الخطيب، وهي تأسست في عام 2005 بهدف توسيع دائرة مشجعي فريق "بيتار القدس" لكرة القدم.
لكن دور منظمات المستوطنين في قمع الفلسطينيين بالتنسيق مع شرطة الاحتلال لم يقتصر على هبة الداخل المحتل، كما يوضح الباحث في نشاطات "المؤسسة الإسرائيلية" بمؤسسة الدراسات العربية في القدس، مازن الجعبري، وهو ما يتضح عبر حالة منظمة "لاهافا" التي نظمت في 18 إبريل/نيسان برفقة عضو الكنيست بن غبير، وقفة إسناد للشرطة وبترخيص منها في باب العمود بالقدس المحتلة، وفق ما جاء على موقعها الإلكتروني. وأطلقت منظمة "لاهافا" عبر موقعها الإلكتروني في الفترة ما بين 20 و22 إبريل دعوات لأنصارها لحضور مسيرة "استعادة الكرامة اليهودية"، ودعت إلى مهاجمة المقدسيين بالأسلحة من أجل قمعهم وترهيبهم قائلة إنه "يكفي إهانة لليهود في أرضهم.. يكفي.. حان وقت الردع".
تتبنى مليشيات إسرائيلية شعارات وأهدافاً اجتماعية وتتحول لاستهداف العرب
ورغم ذلك حصلت على تصريح لنشاطاتها في تلك الفترة كما يوضح الباحث الجعبري. وكما منظمة "لا فاميليا" التي تعرف نفسها بالأساس ككيان رياضي، تدعي "لاهافا" التي أسسها المستوطن بن تسيون جوبستين أن الهدف من إنشائها هو منع ارتباط الفتيات اليهوديات بغير اليهود، ومنع تشغيل العرب في المصالح التجارية التي يديرها يهود، كما يظهر عبر موقعها الإلكتروني.
ما سبق يؤكد أن المستوطنين جزء من النظام السياسي والعسكري الإسرائيلي وفاعلون فيه، وفق ما يرصده الباحث عصمت منصور وأبو شحادة، وعلى سبيل المثال حزب القوة اليهودية الذي يقوده بن غبير من أشد المؤيدين لباروخ غولدشتاين مرتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994، وظهرت صورته في أكثر من مقابلة معه، وهو من أنصار مائير كاهانا مؤسس حركة كاخ التي شاركت في عمليات قتل ضد الفلسطينيين، والآن هو متحالف مع بنيامين نتنياهو في معسكر واحد. ويشير منصور وأبوشحادة إلى أن هذه الجماعات تستفيد من تمثيلها في الكنيست والائتلاف الحاكم وكذلك التغيرات البنيوية الكبيرة، التي طرأت في العقد الأخير على تركيبة المحاكم الإسرائيلية، ودخول عدد كبير من المستوطنين إلى النظام القضائي الإسرائيلي، تحت إشراف وزيرة القضاء إيليت شكيد (2015 ـ 2019).
مخاطر مناطق التماس
في 17 مايو، أصيب الطفلان الشقيقان محمد وفاطمة جنتازي من حي العجمي في هجوم نفذه مستوطنون بالزجاجات الحارقة بمدينة يافا، بحسب إفادة جدتهما نادية لـ"العربي الجديد"، ويؤكد سكرتير حزب التجمع الوطني الديمقراطي في الداخل الفلسطيني المحتل، إمطانس شحادة، أن المستوطنين كانوا في الأحداث الأخيرة جزءا من أدوات نظام القمع الإسرائيلي، ونفذوا هجماتهم في اللد وعكا ويافا تحت حراسة شرطة الاحتلال. ويقع حي العجمي بالقرب من حي جفعات عاليا اليهودي الذي أعلنت شركة بامونا المتخصصة في بناء الوحدات الاستيطانية لـ"التيار الديني القومي" عن بناء عشرات الوحدات في مايو 2009، على قطعة أرض في "شارع بالقرب من حي العجمي في يافا، بعد فوزها بمناقصة دائرة أراضي "إسرائيل"، (مؤسسة رسمية)، وتهدف عمليات البناء هذه إلى تشكيل قاعدة أيديولوجية مهمة للمستوطنين في الداخل ونشر فكر الصهيونية الدينية التي يمثلها عضوا الكنيست بن غبير وبتسليل سمورتيش، وفق أبو شحادة.
وتنشط شركة بامونا بحسب ما وثقه معد التحقيق عبر موقعها الرسمي في تنسيق عدد من المشاريع بالمدن التي يسكنها فلسطينيون وإسرائيليون بهدف معلن من قبلها وهو منع الاختلال الديمغرافي في هذه المدن وهذا يتم بدعم من المؤسسة الرسمية الإسرائيلية كما يشير سامي أبو شحادة، ويتفق معه الأمين العام لحزب التجمع موضحا أن إسرائيل نقلت مئات المستوطنين الذين خرجوا من مستوطنات غزة عام 2005 إلى الأحياء الفلسطينية في مدن الداخل من أجل الحفاظ على التوازن الديمغرافي وأيضا لتشكيل خط استهداف وقمع متقدم ضد الفلسطينيين، وهؤلاء هم الذين نفذوا الهجمات في اللد ويافا وغيرها من المدن، وهم يشكلون خطورة أكبر من المنظمات السابقة لأنهم لا يأخذون طابعا تنظيميا ولا يحتاجون لتراخيص لتنفيذ فعالية أو تجمع فهم موجودون على افتراض أنهم سكان.