تشكو المزارعة اليمنية حليمة حسن، من عدم حصول أطفالها الستة على الطعام الكافي في معظم الأوقات، مع عجزها عن تأمين متطلبات المعيشة عبر عملها في زراعة الأرض التي تركها زوجها بعد مقتله في السنة الأولى من الحرب الدائرة في البلاد منذ مارس/آذار 2015.
وقتذاك لم يكن أمام الأربعينية حسن خيار، سوى مضاعفة عملها في أرضها الزراعية التي تبلغ مساحتها 1500 متر مربع، لتجني في الموسم (يبدأ من مطلع مايو/ أيار إلى منتصف أكتوبر/ تشرين الأول) 40 كيلوغراما من الذرة الرفيعة والدخن بسبب قلة الأمطار، وتبيعه ابما يوازي 80 دولارا أميركيا، لا تكفي لشراء مواد غذائية لشهر واحد، كما تقول لـ"العربي الجديد".
وتعد حسن التي تعيش في قرية صنيف المناصرة بمديرية المنصورية، التابعة لمحافظة الحديدة غرب اليمن، واحدة من بين 50 ألف امرأة فقدن أزواجهن من عسكريين ومدنيين خلال سنوات الحرب، وبالتالي صارت تلك الأسر بدون عائل، تشق طريقها نحو المجهول في ظل أوضاع إنسانية كارثية"، وفق تقرير "اليمن: نساء في مهب الحرب"، الصادر في مارس 2020 عن منظمة رايتس رادار rightsradar لحقوق الإنسان (يمنية غير حكومية).
معيلات تحت سن 18 عاماً
"تبلغ نسبة عمالة الفتيات والنساء بدون أجر في الريف 52.4 بالمائة (يحصلن من أرباب العمل على الأكل والملبس فقط)، بينما 15.8 بالمائة يعملن بأجر، و28.5 بالمائة يعملن لحسابهن، و2.5 بالمائة يمتلكن العمل"، وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء بصنعاء لعامي 2013 و2014، ويبدو تراجع الأوضاع الاقتصادية في كون 21 بالمائة من الأسر اليمنية تترأسها فتيات دون سن الـ18 عاما، بحسب تقرير الظل (موازي لتقرير الدولة) والصادر في 4 أكتوبر 2020، عن تحالف المنظمات اليمنية غير الحكومية، لتقييم مستوى تنفيذ اتفاقية السيداو في اليمن.
21 بالمائة من الأسر اليمنية تترأسها فتيات دون سن الـ18 عاماً
وتعد محافظات "الحديدة، صنعاء، عمران، ذمار، إب، المحويت، صعدة، حجة، تعز، وريمة"، الأكثر في عدد النساء العاملات بقطاعي الزراعة والرعي، كما توضح إيمان بازرعة مديرة الإدارة العامة لتنمية المرأة الريفية في وزارة الزراعة والري بحكومة صنعاء، والتي تقول لـ"العربي الجديد": "فرضت الحرب على 40 بالمائة من النساء الريفيات التوجه نحو العمل في القطاع بهدف إعالة أسرهن".
وتمتلك بعض الأسر الفقيرة التي تقودها النساء في الريف مساحات بسيطة، تعتمد على الزراعة المطرية، ما يؤثر على مستوى دخولهن ومعيشتهن وظروف إعالتهن للأسر، حسب ما يقول إسماعيل الهتار، مدير إدارة التمكين بالصندوق الاجتماعي للتنمية في صنعاء، ومن بين هؤلاء المزارعات، الأربعينية تهاني محمد عثمان، والتي تقول إنها تزرع أرضا صغيرة مستأجرة لا تتجاوز مساحتها 700 متر مربع، في مديرية الصلو بمحافظة تعز جنوب غربي البلاد، من أجل إعالة 6 أطفال فقدوا والدهم نهاية عام 2015، بعد معاناته من أزمة نفسية، ومن وقتها تواجه صعوبات كبيرة في توفير المتطلبات الأساسية للعيش.
و"لا تفكر الأسر الأكثر تأثرا بالفقر المدقع والجوع، بأكثر من إمكانية البقاء على قيد الحياة، نتيجة معاناتها من انعدام الدخل والقدرة الشرائية للغذاء، وانعدام فرص العمل، وغياب أي دور إنقاذي من قبل حكومتي صنعاء وعدن" كما يقول الباحث الاقتصادي أحمد شماخ رئيس مؤسسة الإعلام المالي والاقتصادي للدراسات، مضيفا: "من خلال زياراتي لمناطق مختلفة في محافظات الحديدة وحجة وتعز وريمة وصنعاء وذمار وشبوة، أستطيع التأكيد أن نسبة الفقر في هذه المناطق النائية تصل إلى 95 بالمائة وتواجه النساء المعيلات تداعيات كارثية للفقر والجوع المتفشي في أوساط السكان، خصوصا لدى الأطفال وكبار السن".
معاناة يومية لتدبير قوت اليوم
يعد تدبير قوت اليوم من أبرز التحديات الرئيسية الماثلة أمام الريفيات اللاتي يكافحن من أجل إطعام أسرهن من خلال الزراعة وتربية الحيوانات، كما تقول سهى باشرين، استشارية في مجال النوع الاجتماعي.
ويعصف انعدام الأمن الغذائي بـ 80 بالمائة من سكان البلاد، وفق تقديرات الأمم المتحدة، غالبيتهم يعيشون في الريف، ولا يعلمون من أين ستأتي وجبتهم التالية، بحسب إفادة باشرين الناشطة في مبادرات مدنية ونسوية من بينها التوافق اليمني النسوي من أجل الأمن والسلام (آلية استشارية تُدار من قبل هيئة الأمم المتحدة للمرأة).
وساهم النزوح وانعدام القدرة الشرائية لمستلزمات الزراعة، وضعف الإرشاد والتوجيه، في تدهور أو تناقص المساحة الزراعية، حسبما يقول هياف عبدالرحمن المرشد الزراعي في إدارة مكتب وزارة الزراعة والري بمديرية الصلو التابعة للحكومة الشرعية، وبالفعل فإن المزارعة الخمسينية زعفران قائد سالم والتي نزحت من قرية القابلة في مديرية الصلو بعد مقتل زوجها، نتيجة وقوع مقذوف صاروخي في جوار منزلهم في فبراير/شباط 2017، لا يمكنها زراعة كامل الأرض البالغ مساحتها 2800 متر مربع بسبب الفقر الشديد المترتب على تكاليف النزوح كما تقول لـ"العربي الجديد".
وتعاني الريفيات المعيلات من تراجع النشاط الزراعي بعدما فقدن 40 بالمائة من الأراضي الزراعية، بسبب النزوح والتهجير القسري، وفق ما رصده تقرير الظل لتحالف المنظمات غير الحكومية اليمنية، وتبدو خطورة المشكلة في أن 30 بالمائة من الأسر النازحة تعولها نساء، بحسب ما رصده تقرير الاستجابة الإنسانية لصندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن الصادر في فبراير الماضي.
وتصطدم مسؤولية إعالة الأسر من قبل العاملات في الزراعة وتربية الحيوانات بتحديات كبيرة، مثل عدم الحصول على بعض المدخلات الزراعية كالأسمدة والمبيدات الحشرية والأدوية البيطرية، بالإضافة الى انعدام وارتفاع أسعار الوقود وشح الأمطار مع استمرار غياب الحواجز المائية والسدود، حسب شماخ، والذي يوضح أن "هذه التحديات تشير إلى مستويات تراجع قدرة النساء المعيلات للأسر في الريف على توفير الغذاء، في ظل اتساع مساحة الفقر في أوساطهن".
وتؤكد نادية السليماني، مديرة دائرة بحوث تنمية المرأة بهيئة البحوث والإرشاد الزراعي في جامعة ذمار الحكومية، أن الحرب فاقمت سوء أوضاع الزراعة وخاصة بالنسبة إلى النساء اللائي يعتمدن عليها لإعالة أسرهن، إذ واجهن بسبب الحرب والحصار، ارتفاع أسعار المستلزمات الزراعية والبيطرية المتوفرة وارتفاع أسعار المحروقات كالديزل والبترول مما أدى إلى ارتفاع تكلفة الزراعة بشكل لا يمكنهن من الاعتماد عليها لتوفير ما تحتاجه أسرهن.
شح إغاثي
يتفاقم الجوع في القرى التي لا تصل إليها المساعدات المقدمة من منظمات الإغاثة الدولية والمحلية، كما يقول الباحث الاقتصادي شماخ وهو ما يؤكده عبدلله الصوفي، مسؤول التخطيط في جمعية أبناء الصلو للبناء والتنمية، وأحد مراقبي العمليات الإغاثية المقدمة من منظمات دولية ومحلية للمستفيدين في مديرية الصلو، قائلا إن المنظمات الإغاثية لا تغطي كل الحالات المستحقة، إذ إن نسبة الأسر المستهدفة تصل إلى 25 بالمائة من إجمالي 60 بالمائة من الأسر الفقيرة في المديرية، الأمر الذي يضطر بعض المستفيدين إلى تقاسم ما يتلقونه من مواد الإغاثة مع تلك الأسر.
وتراجعت مستويات تقديم الإغاثة من برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، حسب الصوفي، مضيفا لـ"العربي الجديد": "فوجئ المستفيدون بصرف 40 كيلوغراما من الدقيق فقط خلال يوليو/تموز الماضي، بعد توقف الإغاثة في إبريل/ نيسان، ومايو ويونيو/ حزيران 2022. ويتابع: "كان المستفيدون يحصلون على 75 كيلوغراما من الدقيق، إلى جانب الزيت والعدس والسكر".
تراجع مستويات الإغاثة للأسر المحتاجة للمساعدات
و"يمكن وصف الأدوار المرتبطة بالاستجابة الإنسانية للمنظمات الدولية العاملة في اليمن خلال الحرب، بالضعيفة وعدم الالتزام والوفاء بالتعهدات التي يقطعها المانحون في الفعاليات والمؤتمرات المنعقدة طوال السنوات الماضية" كما يقول الدكتور محيي الدين علي محمد الحاج، أستاذ الاقتصاد الزراعي بكلية الزراعة في جامعة صنعاء الحكومية لـ"العربي الجديد"، مضيفا أن: "اليمنيات المتأثرات بالحرب والبالغ عددهن 6.3 ملايين ما زلن بعيدات عن أي نشاط للاستجابة الإنسانية التي تنفذها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الشريكة لها في هذا المجال"، ويؤكد على احتياج تلك الفئة إلى مساعدات مالية عاجلة ومنتظمة لا تقل عن 150 دولارا لكل أسرة شهريا، وهو ما يؤكده مصدر مسؤول في مكتب هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية (منظمة دولية)، مشيرا إلى وجود تراجع كبير في مستويات الاستجابة الإنسانية في اليمن، مقابل دخول قطاعات واسعة من السكان مرحلة الخطر في ما يتعلق بانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، وتابع المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، لكونه غير مخول بالحديث في الإعلام: "تخلى المانحون عن تعهداتهم بسبب نقص التمويل أمام تزايد الاحتياجات الإنسانية في البلاد، إذ تعهدت 36 جهة مانحة بتقديم ما يقرب من 1.3 مليار دولار أميركي للاستجابة الإنسانية في اليمن، ورغم أن المبلغ يشكل 30 في المائة فقط من إجمالي متطلبات خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2022، لكن عدم توفير التمويل يفاقم معاناة اليمنيين وبشكل خاص الأسر التي تعيلها النساء".