ضحايا الجوع [2/5]... "الشباب" تستغل الجفاف لتجنيد أطفال الصومال

مقديشو

أحمد محمود جيسود

أحمد محمود جيسود
أحمد محمود جيسود
أحمد محمود جيسود
24 أكتوبر 2022
الجوع في الصومال... كيف تستغله حركة "الشباب" لتجنيد الأطفال؟
+ الخط -

يكشف الجزء الثاني من الملف، كيف تستغل حركة الشباب الإرهابية تفاقم الجوع والجفاف في الصومال من أجل تجنيد الأطفال، خاصة بعد تزايد حالات النزوح ومخاوف من مجاعة كارثية كما تصفها الأمم المتحدة، في ظل عرقلة وصول المساعدات للمحتاجين.

- يعاني الأربعيني الصومالي مختار كيرو علي من شح الطعام والمياه في مخيم هرسيد للنازحين بضواحي مدينة بيدوا، جنوب غربي الصومال، بعدما نزح من إقليم باي، وسط جنوب الصومال، إثر موت 300 رأس من ماشيته بسبب الجفاف، كما يروي لـ"العربي الجديد"، قائلا: "لم أَرَ مثل هذا الجفاف طوال عمري". 

و"تتلقى الأسرة في مخيمات: هرسيد، هلوداغ، إيش (ISha) وبردالي، الواقعة في ضواحي بيدوا وتضم 90 ألف نازح، عبر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة، واليونيسف ومنظمات محلية أخرى، سلة غذائية مكونة من 12 كيلوغراما من الدقيق، و12 كيلوغراما من الأرز، و12 كيلوغراما من سكر، و3 لترات من زيت الطعام، بقيمة 80 دولارا أميركيا شهريا، لكنها لا تكفي أسرة من 7 أشخاص أكثر من عشرة أيام، ما يفاقم معاناتهم، خاصة مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية"، بحسب إفادة عمدة مدينة بيدوا حسن معلم.

وتأثرت 66 مديرية من إجمالي 92 في عموم الصومال بالجفاف، ما أضر بحياة 5.9 ملايين شخص نتيجة تأخر هطول الأمطار الموسمية، كما يوضح عبد الرحمن عبد الشكور، مبعوث الرئيس الصومالي للشؤون الإنسانية ومواجهة الجفاف، والذي يخشى من وصول عدد من يعانون بسبب الجفاف إلى 8 ملايين خلال الأشهر المقبلة، كما يقول لـ"العربي الجديد".

استغلال الجوع في تجنيد الأطفال 

"يعاني 7.1 ملايين صومالي من انعدام الأمن الغذائي، 213 ألفا من هؤلاء سيواجهون مجاعة كارثية، وهو ما يمثل زيادة في عدد الحالات المشابهة بنسبة 160 في المائة منذ إبريل/ نيسان الماضي"، وفق تحذيرات أطلقتها الأمم المتحدة على موقعها الرسمي في السابع من يونيو/ حزيران الماضي، بعنوان "الصومال على شفا جوع مدمر يمكن أن يحصد آلاف الأرواح".

يعاني 7.1 ملايين صومالي من انعدام الأمن الغذائي

وتفاقمت معدلات الجوع بشكل أكبر في أقاليم شبيلي السفلى، وغدو، وجوبا السفلى وجوبا الوسطى، بسبب التغير المناخي الذي فاقم التصحر وزحف الرمال إلى الأراضي الزراعية وقلة الأمطار، ما أسفر عن ندرة الغذاء على نطاق واسع في البلاد، كما يقول لـ"العربي الجديد" أحمد شيخ عبد الحي، مدير مشروع الزراعة المائية (هيدروبونيك Hydroponics، وهي طريقة للزراعة بدون تربة)، في منظمة SOS CHILDRENS VILLAGES غير الحكومية بمقديشو.

وتُجبر بعض الأسر الفقيرة والجائعة في المناطق التي تسيطر عليها حركة الشباب على قبول تجنيد المنظمة الإرهابية لأطفالها مقابل الحصول على مساعدات غذائية، كما يقول عبد القادر عيسى، الخبير في شؤون الإرهاب بوزارة الإعلام والثقافة والسياحة بالحكومة الفيدرالية، مشيرا إلى أن تجنيد الأطفال من قبل حركة الشباب ظاهرة تتطور بقوة خلال الفترة الأخيرة، وتابع قائلا لـ"العربي الجديد": "الحركة تستغل الوضع الاقتصادي السيئ للأهالي نتيجة القحط وانعدام الأمن ونفوق المواشي التي كانت مصدر دخل تلك الأسر". 

وتعرض حركة الشباب مبالغ مالية أو منح الطعام للعائلات مقابل تجنيد الأطفال، كما يقول محمد إسحاق، عمدة مدينة بردالي في إقليم باي، مشيرا إلى أن الحركة جندت 3 آلاف طفل. وتابع متحدثا لـ"العربي الجديد": "لا يريد أي أب أن يفعل هذا بطفله، لكن حين لا يستطيع الإنفاق على أطفاله وعائلته بعد فقدان مصدر رزقه، يضطر لهذا الخيار"، مضيفا أن حركة الشباب وجدت في ذلك فرصة لغسل عقول الأطفال من أجل تكثيف عمليات التجنيد في ظل تفاقم المجاعة في البلاد، ويحذر من خطورة ذلك، خاصة مع فشل مساعي الحكومة والمنظمات الحقوقية في التصدي للظاهرة.

ويؤكد تقرير "الصومال: حركة الشباب تطلب الأطفال"، الصادر عن منظمة هيومن رايس ووتش في 14 يناير/ كانون الثاني 2018، أن "حركة الشباب تجبر المدنيين في إقليم باي على تسليم أطفالهم من أجل تلقينهم العقيدة وتدريبهم عسكريا"، موضحا أن "الحركة بدأت في تجنيد الأطفال في منتصف عام 2017، إذ أجبرت عائلات قرب مدينة بيدوا على تسليم العشرات من أبنائها الذين راوحت أعمارهم بين 9 و15 عاما".

الصورة
مخيم الهداية في ضواحي مقديشو
مخيم الهداية في ضواحي مقديشو (العربي الجديد)

ويسبب تجنيد الأطفال في صفوف التنظيمات الإرهابية تأثيرات مدمرة على نفسية الطفل، إذ ينشأ على مبدأ التطرف العنيف بكافة أشكاله، بالإضافة إلى التشوه النفسي والاجتماعي والجسدي بسبب المشاركة في الحروب، حسبما يقول لـ"العربي الجديد" عبد الرحمن سهل يوسف، المدير السابق لمركز الإرشاد لمعالجة الغلو والتطرف (مؤسسة بحثية مستقلة مختصة بشؤون الصومال والقرن الأفريقي)، مضيفا، أن هذه الظاهرة تشكل حملاً ثقيلاً على الدولة الصومالية، على اعتبار أن هؤلاء الأطفال يحملون أيديولوجيات متطرفة ترفض العيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد، ما ينعكس سلبا على مستقبل واستقرار البلاد.

منع وصول المساعدات 

تقدر الأمم المتحدة عدد النازحين داخليا في الصومال بـ 2.9 مليون نازح حتى بداية أغسطس/ آب 2022، وتعيش الغالبية العظمى منهم في 2000 مخيم منتشر في أنحاء البلاد، معظمها عبارة عن مخيمات عشوائية مؤقتة مبنية على أراضٍ خاصة يعيش فيها السكان ويعانون ظروفا مزرية ومهددين دائماً بالطرد، بحسب إفادة البروفيسور يحيى شيخ عامر، أستاذ الاقتصاد بالجامعة الوطنية الصومالية الحكومية، والذي يقول لـ"العربي الجديد": "الفقر يشكل عبئاً كبيراً على الأطفال وأسرهم وتصاحبه ظواهر سلبية خطيرة على مستقبلهم، مثل عمل الأطفال والزواج المبكر للقاصرات".

2.9 مليون نازح داخل الصومال وفق تقدير الأمم المتحدة

ترافق ذلك تحديات تواجه عمليات تقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين من الأزمة الإنسانية المستمرة في البلاد، مثل السماسرة الذين يستغلون النازحين عبر الحصول على جزء من المساعدات الغذائية رغم أنها لا تكفيهم، في مقابل استمرارهم بالعيش في المخيمات المقامة على أراض مملوكة لأشخاص، وفق تأكيد عبد الشكور، والذي لفت إلى أن الأزمة تتفاقم بسبب أن حركة الشباب تمنع مرور قوافل المساعدات الإنسانية في الطرق التي تسيطر عليها، ما يساهم في تأخير المساعدات إلى المحتاجين وزيادة كلفة نقلها، ويفاقم معاناة النازحين، ومن بينهم ليلى آدم، التي تقول إنها كانت تعيش في قرية كونتوار (Kuntuwaray) بإقليم شبيلي السفلى ونادرا ما تصل إليها المساعدات الغذائية، لأن حركة الشباب تفرض على المنظمات الإغاثية دفع أموال مقابل السماح لها بممارسة نشاطها أو اقتطاع بعض من مساعداتهم الغذائية، مضيفة في حديث لـ"العربي الجديد"، أنها نزحت مع أطفالها الخمسة إلى مقديشو.

وسبق لمعهد إنتربرايز الأميركي لأبحاث السياسة العامة أن أكد تلك الوقائع في تقريره "حركة الشباب وتحديات تقديم المساعدة الإنسانية في الصومال"، الصادر في الثامن من سبتمبر/ أيلول 2011، موضحا أن "المنظمات الإغاثية واجهت ضغوطًا من حركة الشباب لإنهاء أنشطتها، وكثيرا ما اتهمت الجماعة عمال الإغاثة بالتجسس لصالح وكالات المخابرات الغربية أو استهدفت تلك المنظمات التي تدعم عملياتها السكان الذين يعيشون تحت سلطة الحكومة الفيدرالية المدعومة من الأمم المتحدة"، ويشير إلى أن "المسلحين يداهمون المكاتب المحلية، ويدمرون المواد الغذائية والإمدادات الطبية، ويختطفون عمال الإغاثة".  

الصورة
تداعيات خطيرة على النازحين

 

تداعيات خطيرة على النازحين

تتفاقم المخاطر بسبب زيادة معدلات سوء التغذية بين النازحين المقيمين في مخيمات عشوائية مكتظة تفتقر إلى توفير مياه شرب نظيفة وخدمات صرف صحي، ما يؤدي إلى انتشار الإسهال والقيء الحادين والكوليرا والحصبة بالإضافة الى الأمراض الناتجة عن سوء التغذية، كما يوضح الدكتور فرحان محمد علي، أخصائي الأطفال في مستشفى بنادر للأمومة والطفولة بالعاصمة. 

وأصيب 697 شخصا بالحصبة، معظمهم من الأطفال والنساء الذين فروا من الجوع فوقعوا في مشاكل أخرى في مخيمات النازحين خلال الفترة من فبراير/ شباط وحتى مايو/ أيار 2022، وفق الدكتور علي، الذي يبدي أسفه على وفاة 20 طفلا في المستشفى خلال شهري مايو ويونيو 2022، وهو رقم خطير في ظل أن الوفيات بسبب المجاعة بين عامي 2016 و2017 بلغت 130 حالة، حسب تأكيد محمد عبد الرحمن سعيد، المسؤول الإعلامي في لجنة الإغاثة الوطنية لمواجهة الجفاف في الصومال (حكومية). ويوجد في إقليم غدو ثمانية مخيمات تضم 100 ألف نازح، وفق تأكيد أحمد بولي محمد، محافظ الإقليم لـ"العربي الجديد"، قائلا: "يتم توزيع سلة غذائية لكل أسرة مسجلة في مخيمات النزوح". 

ويخشى مبعوث الرئيس الصومالي للشؤون الإنسانية من تكرار أزمة المجاعة التي ضربت البلاد في عام 2011 وأنهت حياة ربع مليون شخص في الصومال، و"لم تول الحكومات المتعاقبة أولويةٌ قصوى لأزمة الجفاف ونتائجها، بسبب انشغالها بملفات أخرى، مثل الأمن والاستقرار ومحاربة الإرهاب وإعادة تفعيل مؤسسات الدولة"، كما يقول عبد الشكور. 

الصورة
طفل يعاني من سوء التغذية في مستشفى دولو العام بإقليم غدو
طفل يعاني من سوء التغذية في مستشفى دولو العام بإقليم غدو (العربي الجديد)

لكن عبد الرشيد محمود حسن، النائب السابق لوزير الشؤون الإغاثية وإدارة الكوارث بالحكومة الفيدرالية، يقول لـ"العربي الجديد"، إن موجات الجفاف المتكررة أثقلت الصومال قبل ثلاثة عقود بديون لدول ومنظمات دولية مختلفة، تقدر بـ 5.2 مليارات دولار، مضيفا: "الديون تصعب الجهود الحكومية للحصول على تمويل من البنك الدولي بسبب المتأخرات المستحقة، فضلا عن ضعف المؤسسات الحكومية في ظل نقص الإمكانيات المادية أو العينية أو المعنوية، ما يصعب مهمة التصدي للمجاعة"، وأسقط نادي باريس (مجموعة غير رسمية مكونة من مسؤولين ماليين مموّليين)، من تلك الديون 1.4 مليار دولار بعدما بدأت الحكومة الفيدرالية بإحراز تقدم في مكافحة الفساد الإداري والمالي خلال السنوات الأربع الأخيرة، كما يقول سكرتير نائب وزير المالية بالحكومة الفيدرالية عبد القادر أويس عسبلي، لـ"العربي الجديد"، وهو ما يراه عمر عبد الله يوسف، مدير إدارة الإغاثة والكوارث بوزارة الشؤون الإنسانية في الحكومة الفيدرالية، أمرا يستوجب مساعدة البلاد، قائلا لـ"العربي الجديد": "نواجه أزمة حقيقية تهدد بتعرض نصف سكان البلاد لخطر المجاعة، ومعاناة النازحين تزداد يوماً بعد آخر".

ذات صلة

الصورة
خدج غزة3

تحقيقات

تخشى 60 ألف سيدة حامل في غزة الولادة أثناء الحرب، إذ يعانين جوعا يفتك بأجساد أجنتهن، حتى أن بعضهن أجهضن أو وضعن مبكرا أطفالا أوزانهم قليلة وأجسادهم هزيلة
الصورة
سفرة العيد في بلدة جبالا السورية (العربي الجديد)

مجتمع

يُحافظ نازحون سوريون على تقليد متوارث يطلقون عليه "سُفرة العيد"، ويحرصون على إحيائه داخل مخيمات النزوح برغم كل الظروف الصعبة، وذلك فرحاً بالمناسبة الدينية.
الصورة

مجتمع

أسّس منظمة "وورلد سنترال كيتشن" غير الحكومية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها الطاهي الإسباني الأميركي خوسيه أندريس...
الصورة
تعلّق جهات إغاثية عملها في قطاع غزة بسبب الفلتان الأمني

تحقيقات

يعمّق الاحتلال الإسرائيلي من حالة الجوع بغزة، عبر غضّ النظر عن عصابات نهب المساعدات التي تعمل بالقرب من نقاط تمركزه وأمام قناصته