تشهد بلدة سنجار بمحافظة نينوى (شمال العراق)، تطورات جديدة، مع قيام حزب العمال الكردستاني بالاتفاق مع فصائل في "الحشد الشعبي" على تشكيل إدارة محلية للبلدة التي تُعدّ من المناطق المتنازع عليها بين الأكراد، الذين يدّعون تبعيتها لإقليم كردستان، وبغداد التي ترفض ذلك. ويثير هذا التطور تحفظات مسؤولين محليين، يعتبرون أن ما يجري هو محاولة لسلخ سنجار عن سيطرة السلطات المركزية على يد حزب جاء من خارج الحدود.
في هذا السياق، ذكر عضو بالإدارة المحلية لبلدة سنجار أن "قيادات حزب العمال الكردستاني التركي المعارض، تكثّف منذ أيام عدة حراكها داخل البلدة"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "الحزب يطمح بالمساهمة في إدارة سنجار". وأشار إلى أن "هذه التحركات جمّدت عمل المسؤولين المحليين في سنجار"، موضحاً أن "العمال الكردستاني اتفق مع فصائل مسلحة تابعة للحشد الشعبي على تشكيل حكومة محلية جديدة تنتخب رئيساً لها".
وأضاف أن "هذا الأمر إن تمّ، فإن بلدة سنجار ستصبح خاضعة لأوامر حزب العمال الكردستاني والفصائل العراقية المتحالفة معه"، مشيراً إلى أن "انتقال عناصر العمال الكردستاني من جبل سنجار إلى داخل البلدة سيتسبب بمشاكل كثيرة، وتناحر لا تحمد عقباه". ولفت إلى "وجود رفض محلي لهذه التحركات، لا سيما من قبل قائممقام سنجار، محما خليل، وهو من قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه رئيس إقليم كردستان السابق مسعود البارزاني". وأشار إلى "وجود مخاوف من انتقال مقاتلي حزب العمال من الجبال إلى مركز البلدة، بحثاً عن غطاء حماية".
وتوقع أن "يؤدي ذلك إلى تحويل سنجار إلى بؤرة لعدم الاستقرار في شمال العراق، في ظل وجود خلافات سابقة تسبب بها اجتياح تنظيم داعش الإرهابي عام 2014، وما تلا ذلك من اعتداءات على الأيزيديين الذين يشكلون نسبة مهمة من سكان البلدة".
وألقى زيباري باللائمة في ما يجري في سنجار على الحزب الديمقراطي الكردستاني (حزب البارزاني) الذي يحكم البلدة منذ سنوات عدة، مشيراً إلى أن "السياسات الخاطئة للحزب هي التي أدت إلى الوهن الذي تعاني منه سنجار اليوم". وتابع قائلاً إن "حزب العمال الكردستاني لم يكن ليتجرأ على تشكيل مجلس محلي في سنجار لو كان الوضع هناك مستقراً"، موضحاً أن "حزب البارزاني تسبّب بأذى كبير للمنطقة". واتهم قائمقام سنجار محما خليل في وقت سابق، حزب العمال بـ"العمل على تقويض الأمن، وقيادة مؤامرة لإسقاط المؤسسات الاتحادية في البلدة". وأشار إلى أن "العمال الكردستاني قام أخيراً باستقدام مقاتلين من سورية من أجل فرض سيطرته على سنجار"، وأن "القوات العراقية المكلفة بحفظ أمن البلدة لم تتصرف بشكل حازم مع الأمر واتخذت موقف المتفرج".
أما رئيس المجلس المحلي في سنجار، ويسى نايف، فكشف عن "اقتحام مجموعة أشخاص ترافقهم قوة مسلحة غير نظامية، مبنى المجلس، يوم الجمعة الماضي، منتحلين صفة رئاسته وتمثيله بأعضاء جدد"، مشيراً في رسالة وجّهها إلى المسؤولين العراقيين المعنيين بالملفين الأمني والإداري، إلى انتهاك هذه المجموعة حرمة المؤسسات الشرعية، من دون أن تقدم أي سند قانوني". وذكر أن "ذلك تمّ أمام أنظار الأجهزة الأمنية، من دون وجود أي رادع"، مؤكداً أن "ما حدث يعد سابقة خطيرة في المشهد السنجاري المعقد".
وأضاف أن "وجود هؤلاء على ساحة سنجار جعل 300 ألف شخص من أبناء المنطقة يعزفون عن العودة"، مشيراً إلى "مغادرة 100 ألف آخرين من أبناء البلدة إلى خارج العراق". وطالب بـ"تدخل دستوري وقانوني مباشر لإيقاف وإبعاد ومحاسبة المتجاوزين والمتاجرين بقضية سنجار"، مشدّداً على "ضرورة إعادة المؤسسات الشرعية للبلدة".
في السياق، قال رئيس بلدية سنجار، فهد حامد، إن "ممثلين عن حزب العمال الكردستاني والحشد الشعبي، اتفقوا على إنشاء كيان يتولى حكم البلدة"، لافتاً في حديثٍ صحافي، إلى "تشكيل لجنة تتولى إنشاء هذا الكيان، وإدارة سنجار خلال الفترة الحالية".
وتوترت الأوضاع في سنجار الأسبوع الماضي بشكل كبير، على خلفية قيام قوة من "الحشد الشعبي" باعتقال 30 عنصراً من الأيزيديين المنضوين ضمن قوات البشمركة الكردية الخاضعة لقيادة حزب البارزاني، قبل أن يتم إطلاق سراحهم في وقت لاحق.
وأكد قائد قوة أيزيدية تابعة للبشمركة في سنجار، يدعى حيدر ششو، في وقت سابق، رفضه "التعامل مع أية خطوات أو اتفاقات بين العمال الكردستاني والحشد الشعبي"، معتبراً أنه "لن يعترف بأية لجنة أو إدارة لسنجار ما لم يتم تشكيلها من قبل مجلس محافظة نينوى". كما رفض المتحدث باسم العشائر العربية في المناطق المتنازع عليها، مزاحم الحويت، الأحداث التي تجري في سنجار. ونقلت وسائل إعلام محلية عن الحويت قوله إن "العمال الكردستاني والحشد الشعبي قاما بتشكيل مجلس جديد لسنجار، بدلاً من المجلس السابق الرسمي والمعترف به حكومياً"، معتبراً أن "المجلس الجديد جاء للسرقة والاستفادة من أموال المنظمات الدولية، مستغلاً غياب نحو 80 في المائة من السكان بسبب نزوحهم إلى إقليم كردستان".
كما رأى العضو السابق في لجنة الأقاليم والمحافظات البرلمانية، محمود عثمان، أن "الأمور في سنجار تسير نحو الأسوأ، بسبب وجود جهات عدة متصارعة على البلدة"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "هذه القوى تسعى للظفر بالسيطرة على مقاليد الإدارة فيها". وأكد أن "سبب تحالف فصائل من الحشد الشعبي مع حزب العمال الكردستاني، يعود إلى خلافات الجهتين مع الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يسيطر على سنجار منذ سنوات، وهذا التحالف يسعى إلى إزاحة هيمنة حزب البارزاني بأي طريقة". وأشار إلى أن "السكان المحليين هم الخاسر الأكبر من هذا الصراع"، مؤكداً أن "سنجار منطقة مدمرة خالية من غالبية سكانها". ولفت إلى أن "صمت حكومة بغداد عما يجري في سنجار يجب ألا يستمر طويلاً"، مؤكداً أن "الأمن والاستقرار لا يمكن أن يعودا إلى سنجار ما لم تتدخل بغداد بمساعدة سلطات إقليم كردستان، للتنسيق في ما بينهما لنشر جيش عراقي في البلدة التي تعاني من الفوضى".
وكان حزب العمال الكردستاني قد أعلن في أغسطس/ آب الماضي، أنه "قرر سحب جميع مقاتليه من أطراف بلدة سنجار بعد إنهاء مهامهم هناك"، موضحاً أن "عناصره سينسحبون بشكل كامل من البلدة، بعد استتباب الأمن هناك". إلا أن الحزب عاد إلى سنجار على خلفية قيام سلطات إقليم كردستان بإغلاق جميع مقراته في الإقليم، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.