الخطاب الطائفي للأحزاب يزيد انقسام الشارع العراقي

09 مارس 2016
تزايد الفرز والانقسامات يؤثر سلباً على الشارع(صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -

تصاعدت حدة الاتهامات والتراشق بين الكتل والأحزاب السياسية في العراق أخيراً تحت عناوين ما بات يُعرف في العراق بـ"المشروع الأميركي" و"المشروع الإيراني"، حسب وجهات وميول تلك الأحزاب والكتل، وهو ما أثّر بشكل واضح على الشارع العراقي. ولا يزال مشروع قانون تجريم الخطاب الطائفي في العراق يراوح مكانه، على الرغم من عرضه على البرلمان وإتمام قراءته الأولى من دون التصويت عليه. وينصّ المشروع على اعتبار التصريحات والبيانات التي تهاجم طائفة بحد ذاتها جرائم طائفية يُعاقب عليها القانون بالسجن، كما تطاول العقوبة وسائل الإعلام التي تروّج لهذا الخطاب. وتُطالب بعض الكتل بتعديلات على بعض فقرات القانون، الذي شمل أيضاً منع تشكيل أي حزب أو كتلة على أساس طائفي يقصي الآخر، وتطالب تلك الكتل بتعديل هذه الفقرة بالذات.

ودفعت التطورات من معركة الموصل والوجود الأميركي بالبلاد، وكذلك ملف وجود الآلاف من مقاتلي الحرس الثوري الإيراني فضلاً عن الأزمة المالية التي تعصف بالعراق، إلى زيادة حدة التراشق والاتهامات بين الكتل السياسية في الفترة الأخيرة. ويعزو محللون ومراقبون التصعيد الحالي إلى مصالح شخصية لتلك الأحزاب، التي باتت تجد في مسألة الحشد الطائفي والتلاعب بمشاعر كل طائفة، وسيلة للحفاظ على مواقعها السياسية وعدم خسارتها في الانتخابات المقبلة التي تبقى عليها أقل من عامين.

وتوجد في العراق 61 قناة تلفزيونية بين فضائية وأرضية، الكثير منها ذات طابع طائفي ديني أو قومي، فضلاً عن 22 محطة إذاعية و267 موقعاً ووكالة إخبارية إلكترونية أغلبها غير مستقلة وتُموّل من قبل الأحزاب السياسية أو الجهات الدينية في البلاد أو من دول خارجية، أبرزها الولايات المتحدة ضمن ما يُعرف ببرنامج الإعلام الهادف الذي أطلقه الحاكم المدني السابق بول بريمر في العام 2004 وما زال معمولاً به حتى الآن، وتُخصص له موازنات سنوية بمبالغ كبيرة، فضلاً عن برنامج إيراني مماثل أطلق في الوقت نفسه لمواجهة ما تصفه الشخصيات النافذة في هذا البرنامج بالعراق والذي يتخذ من بغداد أيضاً مقراً له، بمحاربة "المد الصهيوني الأميركي".

اقرأ أيضاً: اعتداءات "داعش" تعيد المليشيات إلى بغداد

وتجتهد العديد من الأحزاب بتوجيه الاتهامات للكتل الأخرى على مستوى طائفي أو عنصري وحتى مناطقي، وتنطلق من اتهامات بالولاء الخارجي لواشنطن والخليج وتركيا أو لإيران وروسيا. واتهمت النائبة في البرلمان العراقي عن كتلة "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، فردوس العوادي، الثلاثاء أعضاء اتحاد القوى العراقية بزعامة نائب رئيس الجمهورية السابق أسامة النجيفي بالسعي لتمرير "المشروع الأميركي والخليجي في العراق"، في حين رد القيادي في "اتحاد القوى" محمد الدليمي بعد ساعات على تلك التصريحات بأن كتلة العوادي هي من تنفذ أجندة إيرانية وتسعى لجلب الروس إلى العراق على غرار سورية. يأتي ذلك بعد يوم واحد من رد كتلة "متحدون" على دعوات قيادات في "التحالف الوطني" لطرد أو استبدال السفير السعودي ثامر السبهان، بدعوتها إلى طرد السفير الإيراني.

هذا التجاذب دفع بشخصيات سياسية وأخرى ثقافية مستقلة إلى إطلاق دعوات "توعية للشعب العراقي من خبث السياسيين وتسخيرهم الملف الطائفي لخدمة مصالحهم وأحزابهم من دون اكتراث بدم المواطنين". ويقول رئيس الحركة المدنية العراقية، علي الغانم، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "تناحر السياسيين على الشاشات وعزفهم على الوتر الطائفي هو عملية خداع للشارع وتأكد لنا ذلك بعد دخولنا البرلمان، إذ وجدناهم في كافتيريا البرلمان يضحكون ويتحدثون بينما كانوا قبل ليلة يتراشقون تهم الخيانة والعمالة والطائفية وغيرها". ويضيف الغانم: "تصريحات السياسيين شقّت الشارع وساهمت في إراقة دماء، ونحن نسعى لتوعية الناس من خلال حملة تحذر من الاستماع لهم، وستجري حملات شبابية توعوية قريباً تحت عنوان عيب عليكم".

وكانت تصريحات لنائب رئيس الوزراء السابق بهاء الأعرجي، قد أثارت جدلاً واسعاً في الشارع العراقي الشهر الماضي، إذ قال: "كقيادات سياسية وأحزاب عندما جئنا للعراق، جئنا قيادات بلا قاعدة أو شعبية وحتى الانتخابات الأولى بلا شعبية وأخذنا نتكلم بالطائفية حتى نجذب قاعدة شعبية لنا".

ويطالب عضو الحزب الشيوعي العراقي حسام العلي، السياسيين والأحزاب برؤية الشعب بعين الرحمة والتوقف عن تصريحات تثير أحقاداً ومشاكل في صفوفه. ويوضح العلي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن بعض السياسيين وصل الحال بهم في محاولات حشد التأييد، إلى التذكير بخلافات عشائرية مرّ عليها أكثر من 100 عام، وآخرين وصل الحال بهم إلى الطعن بسكان مناطق معينة واعتبارهم من أصول غير عراقية ودعوتهم لمغادرة العراق، معتبراً أن كثرة التطرّق إلى هذا الموضوع أذى العراقيين، وحصلت عمليات إرهابية وانتقامية بسبب ذلك.

فيما يقول عضو لجنة الأوقاف والشؤون الدينية بدر الفحلان، إن "التصعيد الطائفي الذي نشهده هو لإدامة بيئة المناخ الطائفي"، واصفاً الشعب العراقي بـ"غير الطائفي على مدى تاريخه" واستطاع أن يتجاوز محناً كبيرة عبر تاريخه، مطالباً بدعم مشروع المصالحة الوطنية بشكل حقيقي يخدم الشعب العراقي ويكسر طوق الطائفية ويقطع الطريق على المتلاعبين بأمن الناس من خلال الخطاب الطائفي.

من جهته، يعتبر عضو لجنة المصالحة الوطنية المستقلة في بغداد أيمن عبدالله، مطلقي التصريحات الطائفية من السياسيين وتنظيم "داعش" سواء. ويوضح عبدالله في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "على الجالسين بالبرلمان أن يتأكدوا أن كل كلمة تخرج منهم لإثارة الشارع واستغفال المواطن واللعب على عواطف البسطاء الدينية، تعادل عملية إرهابية لداعش أو هجوماً طائفياً للمليشيات"، محذراً من أن "الشعب سيكتوي بنار الفتنة في حال نشوبها، أما السياسي المثير للفتنة فسنجده على متن أول طائرة تقلع خارج العراق".

اقرأ أيضاً: المشهد العراقي من الداخل والخارج: السياسة والطائفية والعسكر

المساهمون