نتنياهو يحاول استغلال التناقضات الروسية الإيرانية في سورية

11 مارس 2017
سعى نتنياهو لإبراز "الخطر الإيراني" (ميخائيل سفيتلوف/Getty)
+ الخط -
رفض رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في معرض رده على أسئلة الصحافيين الإسرائيليين الذين رافقوه في زيارته الخاطفة إلى موسكو الخميس حيث التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التطرق إلى مسألة بقاء نظام بشار الأسد من عدمه، كأمر تم تناوله في اللقاء، مفضّلاً أساساً تكريس خطه الدعائي والسياسي الحالي بإبراز "الخطر الإيراني"، ليس فقط على إسرائيل والمنطقة، وإنما أيضاً على العالم كله، مستفيداً من التطابق في الرؤيا الإسرائيلية في هذا المجال مع الرؤيا التي يعبّر عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تجاه إيران.
ومع أن نتنياهو أعلن للصحافيين أنه استعرض أمام بوتين، وبيّن له الرفض الإسرائيلي الشديد لبقاء الوجود الإيراني في سورية، إلا أن غياب موضوع مصير النظام السوري عن هذه المحادثات، التي قال نتنياهو إنه بادر إليها، في وقت حرج وحيوي مع إطلاق التحركات الدولية للتسوية في سورية، يبيّن أن الحكومة الإسرائيلية تحاول الاستفادة من هذه الاتصالات، وبالأساس ضمان عدم تغييبها وتغييب صوتها عنها، ربما كعبرة استخلصها نتنياهو من نتائج مقاطعة إسرائيل ورفضها أي دور إيجابي أو محاولة للتأثير على مجرى المفاوضات بين إيران والدول الست حول الاتفاق النووي.
ويُستدل من التصريحات التي أدلى بها نتنياهو، وقوله للصحافيين إنه يعتقد أنه شرح موقف إسرائيل بشكل واضح، أن الورقة الإيرانية تشكّل بأيدي إسرائيل ورقة رابحة، ليس فقط للترويج لتقارب مصالح مع دول الخليج أو ما يسمه نتنياهو "محور الدول السنّية المعتدلة"، بل أيضاً في سعي إسرائيل لتعزيز ومفاقمة نقاط التناقض بين إيران وروسيا في سورية في كل ما يتعلق بالرؤيا الروسية لمستقبل سورية، وحجم الدور والوجود الإيراني في سورية.
ويتضح هذا بشكل خاص، من حرص نتنياهو على اصطحاب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، الجنرال هرتسي هليفي، إلى المباحثات التي أجراها مع بوتين. فقد كان هليفي قد أعلن أخيراً أن إيران لا تكتفي بوجودها العسكري الحالي البري ووجود قوات عسكري وخبراء لها في سورية، وإنما تسعى (وهو ما ردده نتنياهو مطلع الأسبوع في مستهل جلسة الحكومة الإسرائيلية) إلى بناء ميناء بحري لها في سورية. وتشكّل هذه النقطة في سياق التناقض في المصالح الروسية الإيرانية في سورية، نقطة خلاف يتضح أن نتنياهو يحاول استخدامها وصولاً إلى إبرام موقف معارض لهذا الأمر، مقابل تسليم إسرائيلي بقاعدة بحرية روسية في سورية.


وليست هذه النقطة الوحيدة التي تحاول إسرائيل في الوضع الدولي الحالي استغلالها لتحقيق مكاسب لها، فإهمال أو عدم الاستفاضة في الحديث عن مصير الأسد في اللقاء بين نتنياهو وبوتين، قد يوحي بوجود تفاهم ضمني بين الطرفين، مفاده قبول إسرائيلي بالموقف الروسي في حال ارتأت موسكو التنازل عن نظام الأسد في المستقبل المنظور، مقابل مكاسب لإسرائيل. وتعتبر الأخيرة أن موضوع بقاء الأسد من عدمه منوط بالأساس بمدى خدمة هذا البقاء المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية في سورية، وفي مقدمتها طرد التأثير الإيراني من سورية، أو تحجيم هذا التأثير، طبقاً للمعادلات التي قد تتم بلورتها في توافق دولي مع روسيا والولايات المتحدة.
ولعله من المفيد في هذه النقطة الإشارة إلى ما ركز عليه موقع "معاريف" في تقرير له، أمس الجمعة، بشأن التوقيت الذي اختاره ترامب لاتصاله الهاتفي مع نتنياهو، يوم الثلاثاء قبل يومين من توجّه الأخير إلى موسكو. وسبق لهليفي، أن استعرض أمام لجنة الخارجية والأمن البرلمانية أخيراً احتمالات تبلور محور أميركي روسي في عهد إدارة ترامب. وأضاف هليفي أن من شأن محور كهذا أن يقود إلى كبح جماح إيران، معتبراً أن روسيا لا تعتبر إيران أو "حزب الله" شركاء استراتيجيين، وإنما إدارة لتحقيق أهدافها. ولفت إلى أن روسيا لا تعتزم الانسحاب من سورية في المستقبل المنظور، خصوصاً أنها استأجرت أراضي في سورية لمدة خمسين عاماً.
وبحسب تقرير "معاريف" الذي يعتمد أيضاً على إشارات من دبلوماسيين أوروبيين، فإنه لا يمكن الفصل بين الاتصال المذكور وبين اللقاء بين نتنياهو وبوتين، لجهة تحوّل نتنياهو وقيامه بدور وسيط، أو حلقة وصل بين بوتين وترامب، خصوصاً في ظل الإشكاليات التي ترافق إدارة ترامب مع الملف الروسي. ولم يستبعد التقرير، ولو من باب الافتراض النظري، أن يتشكّل مثلث علاقات خاصة يكون فيه نتنياهو، ولو في المرحلة الأولية، بمثابة حلقة وصل لترتيب تفاهمات أميركية روسية تتصل بمستقبل سورية، ولكن أيضاً باقي الملفات العالقة بين روسيا والولايات المتحدة، كملف أوكرانيا وشبه جزيرة القرم.
مقابل ذلك، فإنه بات لافتاً إبراز إسرائيل بشكل علني ومن دون تردد تصريحاتها التي دأبت على إطلاقها في العام الماضي، (وعلى أثر التفاهمات الروسية الإسرائيلية بشأن تقاسم الأجواء السورية)، المتعلقة بأن إسرائيل لن تنسحب من هضبة الجولان المحتل مستقبلاً، بل تطالب بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية في الجولان، وإخراج ملف الجولان من أي جولة مفاوضات حول سلام شامل في المنطقة.
وكان لافتاً في سياق الجولان مثلاً، أن روسيا سارعت أمس الأول، الخميس، بشكل ملفت إلى نفي تصريحات مسؤول إسرائيلي رافق نتنياهو في الزيارة إلى موسكو، جاء فيها أن روسيا وافقت على إطلاق يد إسرائيل في استهداف أهداف "حزب الله" داخل الأراضي السورية، علماً أن روسيا لم تبدِ اعتراضاً، على أرض الواقع، ولم تبذل جهداً لمحاولة صد أو عرقلة عمليات القصف الإسرائيلية لمواقع وقوافل "حزب الله" خلال العام الماضي، على الرغم من قدرة شبكات الإنذار الروسية المتطورة في سورية.