67 عاماً على تعميق النكبة: إسرائيل تعود لجذورها الاستعمارية

15 مايو 2015
شعب مجبر على مواجهة أشرس احتلال (حازم بدر/فرنس برس)
+ الخط -

تتواصل فصول النكبة الفلسطينية بعد "حدثها الأول" قبل 67 عاماً، لغاية اليوم. وفي توقيت لافت، يبدو غير مقصود من الاحتلال، أعادت محكمة "العدل الإسرائيلية" قبل أسبوعين في قرارين منفصلين، زمنياً وجغرافياً، ربط فلسطين النكبة بفلسطين النكسة. قراران يقران ويشرّعان، "إسرائيلياً"، استمرار النهب والسلب، وكأنّ بقراءتهما لم يعد بحاجة للعودة إلى ما كتبه العرب والغرب عن التطهير العرقي في فلسطين عام 48، لأنه لا يزال مستمراً لغاية اليوم. فقد أقرت المحكمة في قرارين منفصلين شرعية "إزالة" قريتين فلسطينيتين، سوسيا في قضاء الخليل (أرض سلطة أوسلو) وأم الحيران في النقب، بذرائع "التخطيط والبناء لصالح توسيع مستوطنة سوسيا اليهودية، في الضفة الغربية، وإقامة وبناء مستوطنة حيران اليهودية في النقب على أرض أم الحيران التي هُجّرَ أهلها واقتُلِعوا بقرار إسرائيلي عام 54 من أرضهم "الأولى" إلى موطنهم الحالي.

قراران خلال أسبوعين يعيدان الحكاية إلى أصولها، وإن اختلفت تفاصيل المشهد وأدوات التهجير. وبينما قاوم الفلسطينيون، ما استطاعوا، قبل أن تكون لهم سلطة أو دولة أو منظمة،

مذابح التهجير الإسرائيلية عام 1948، ومن بقي منهم في النقب، عمليات التهجير، فإنّ القرارين الإسرائيليين الأخيرين، مرّا مرور الكرام، وبدا أن سكان القريتين يقفون وحدهم من دون أي دعم أو مساعدة من أحد.

اقرأ أيضاً: أهالي "سوسيا" الفلسطينية يفضلون الموت على الرحيل منها

تأتي الذكرى الـ67 للنكبة التي لم تنته فصولها على الشعب الفلسطيني، وقد عادت إسرائيل إلى أصولها الاستعمارية والكولونيالية من دون أن تجد في الطرف المضاد، من يقف لها بالمرصاد. شعب فلسطيني أعزل في الداخل، يخوض حربه من أجل البقاء والوجود في مواجهة مخططات رسمية معلنة، غير خفية، لتصفية بقائه وحشره في غيتوهات "فلسطين الأولى"، وأخرى تسعى لإبقائه في "بونتستانات" مشوهة في أرض النكسة في الضفة الغربية، ومليونا فلسطيني في سجن كبير في القطاع يحرسه نظام انقلاب عربي "مصون". أما الذين ينتظرون العودة من أبنائه، فينتشرون في مخيمات اللجوء تحت رحمة أنظمة وبلدان عربية نسيت منذ فترة طويلة، الطريق إلى القدس، أو بات أبناؤها يعانون بدورهم "محنة اللجوء".

تتواصل فصول النكبة في أراضي 48، أرض البئر الأولى، بشكل مختلف تماماً، نكبة تسعى إلى محو الوعي والهوية، ووأد الحلم الذي لا يزال في نفوس أكثر من مائة ألف لاجئ فلسطيني في الداخل يعيشون على مرمى حجر من قراهم ومن بيوتهم التي هُجّروا منها، لكنهم يعودون إليها كل عام، وكلما توفي أحد من أهلهم، ليدفنوه في مقبرة القرية، تحت زيتونة أو شجرة صفصاف.

اقرأ أيضاً: "القضية المركزية" في ذكرى النكبة

وفي الضفة الغربية، لا يواصل شعب فلسطين مواجهة احتلال فقط، بل سلطة مسخ فلسطينية، تقدّس التعاون مع الاحتلال ضد أبناء شعبها، تحت مسمى "التنسيق الأمني"، وتقف عائقاً أساسياً وخطَّ دفاعٍ أول عن انتفاضة ثالثة وربما رابعة لشعبها، تاركة القدس وأهلها وحيدين منعزلين لا يتحركون خارج خطوط الاحتلال، وليس لديهم من يسمع صوتهم حتى أو يروي حكايتهم، في حال باتت القدس وأهلها لا يُحسَدون عليها. لا قيادات مجتمعية ولا سياسية لأهلها، ولا ممثلين لها، ومقدساتها باتت فريسة سهلة للتدنيس والانتهاك والسلب والسرقة أكثر من أي وقت مضى، وأهل غزة وقطاعها يئنون تحت الحصار الإسرائيلي المصري، والمصالحة الفلسطينية صارت عملة قديمة.

لم تكن إسرائيل في حال أحسن عما هي اليوم، إذ لم تعد تواجه شعباً فلسطينياً بقيادة موحدة لها برنامج، ولا إطاراً فلسطينياً جامعاً، فقد رحلت منظمة التحرير عن الوطن وتركت وراءها مسخ السلطة. كان المفروض أن تكون الأخيرة مؤقتة والأولى هي الباقية، فتبدّل الحال، فرحلت المنظمة، لتظل السلطة مرتبطة برغبات إسرائيل وكرمها في توزيع بطاقات الـ"في آي بي" على أقطاب السلطة، مقابل ضمان أمنها وحدودها تحت راية التنسيق الأمني.

اقرأ أيضاً: فلسطينيون في "مسيرة العودة" إلى قرية الولجة المهجرة

كما تواصل إسرائيل في عام النكبة الـ67 بناء قوتها العسكرية، وتوسيع مستوطناتها وتهديد جيرانها وكتابة فصول جديدة من التمييز والعنصرية، من دون أن تجد من يقف لها بالمرصاد ولو كلامياً، مع أن الشعب الفلسطيني لم يعد "مجرد مجتمع فلاحين" كما ظنّت الصهيونية وحسبت في بدايات الصراع. بات اليوم أبعد عن التحرير مما كان قبل عقد أو عقدين. يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى قيادة حقيقية جديدة، ترمي أسمال أوسلو، وتلقي عنها الشرذمة والانفصال والانقسام، وتعيد بناء منظمة التحرير الفلسطينية وتحريرها من سلطة أوسلو.

تبقى النكبة مستمرة تكتب فصلاً جديداً في كل يوم يقام فيه بيت في مستوطنة، ويصادر فيه دونم أرض في الجليل والنقب، ويضاف مقطع جديد من جدار الفصل في الضفة وتعاد مسنّة من طريقها إلى المسجد الأقصى، أو طفل أراد أهله تعميده في كنيسة مهجرة.

تعود إسرائيل إلى أصولوها الصهيونية والاستعمارية، عودة توجب على الفلسطينين وتفرض على الشعب الفلسطيني أن يعود هو الآخر إلى أصول الصراع، ووعد التغني بأوهام تسوية دولتين، إذ لم تترك إسرائيل حيزاً على الأرض، لتقام عليه دولة فلسطين ولو حتى بحدود دولة أريحا، فكيف بدولة "فلسطينية قابلة للحياة"!

الأمل ليس معدوماً، لكن الطريق بات أصعب وأكثر وعورة. هي عودة إلى ما قبل البداية، عودة ليس لبناء قيادة موحدة فحسب، بل قبل ذلك، تحرير الشعب الفلسطيني اليوم من "قيادات" و"فصائل" باتت تجثم على صدره وتمنعه من التقاط أنفاسه لمواصلة عودته إلى الوطن، وبنائه. عملية مزدوجة، شعب مجبر على مواجهة أشرس احتلال وأطول استعمار عرفه التاريخ، بقواه الذاتية، والتغلب في الوقت عينه على عراقيل وعقبات تضعها أمامه قيادته "الوطنية" و"الفصائلية" لتؤمن بقاءها في السلطة الوهمية، "قائدة شعب" نسيت الطريق والسبيل إلى تحريره كي يبقى لها شعب تحكمه.

اقرأ أيضاً: 43 في المائة من السكان الفلسطينيين لاجئون

المساهمون