العراق: معركة ناجحة ضد مخلفات "داعش" الحربية

14 يناير 2019
من مخلفات "داعش" في العراق (حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -
خلال الأشهر الأربعة عشر الماضية، أي بعد انتصار القوات العراقية في حربها على تنظيم "داعش" بشكل نهائي عقب اجتياحه للبلاد عام 2014، انشغلت فرق عراقية خاصة، ضمن تشكيلات وزارتي الداخلية والدفاع، بعمليات رفع الألغام والمتفجرات التي زرعها التنظيم على الطرقات وفي البساتين والبيوت، فضلاً عن مخازن الأسلحة والمخابئ والأنفاق التي كانت مستقراً لعناصر "داعش"، وكذلك معامل وورش صناعة الأسلحة.
وباتت البيانات التي تصدرها قوات الجيش أو الشرطة بشكل شبه يومي في مناطق متفرقة من غرب وشمال العراق تحت عنوان "تفجيرات مسيطر عليها"، أمراً مألوفاً للعراقيين، إذ عادة ما تُصدر القيادات العسكرية أو الأمنية بيانات تخطر السكان بأن هناك تفجيراً في ساعة محددة وتدعوهم لعدم الهلع، وفي بعض الأحيان إلى فتح الشبابيك والأبواب لمنع تهشم الزجاج بفعل الصوت العنيف الذي يخلّفه تفجير إرث "داعش"، وهو في العادة عبوات ناسفة وصواريخ وألغام ومتفجرات خام، أو تأخذ أشكالاً مختلفة صنعها التنظيم كفخاخ قبيل انسحابه من المدن والبلدات التي كان يحتلها.
وتسبّبت مخلفات "داعش" تلك خلال العام 2018 بمقتل وإصابة ما لا يقل عن 300 مدني عراقي من سكان تلك المدن، كان آخرهم رجل وزوجته وابنهما في بلدة عانة، غربي الأنبار، وفقاً لمصادر أمنية عراقية في وزارة الداخلية ببغداد.

وتنتشر تلك المتفجرات، التي قد يتطلب جمعها معاً مساحة بحجم 40 ملعب كرة قدم، عند محيط أو مداخل المدن المحررة والقرى والمناطق الزراعية وفي المناطق الصحراوية وعلى جوانب الطرق ومفترقات البلدات في شمال وغرب العراق وأجزاء من وسطه، وفقاً لمسؤول عراقي في وكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الداخلية في بغداد، كشف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن العراق أتلف قرابة 80 في المائة من مخلّفات "داعش" الحربية، وقام بتفجيرها.
وأعلن المسؤول العراقي أن "جهود البحث عن هذه المخلّفات ما زالت مستمرة بعد مساعدات أميركية للجيش العراقي في هذا الإطار، تتضمن أجهزة كشف متفجرات قادرة على كشف المتفجرات تحت الأرض بعمق يصل إلى ستة أمتار، ويتم جمع تلك المتفجرات ونقلها إلى مكان صحراوي لا توجد حياة في محيط 10 كيلومترات على الأقل منه، وجمعها في حفرة ثم تفجيرها، والتأكد من خلال لجنة مختصة أنها فُجرت كلها".

ووفقاً للمسؤول ذاته، فإن "المواطنين في المحافظات التي تعرضت لاحتلال داعش، ساعدوا القوات الأمنية كثيراً في العثور على المتفجرات والألغام، وأكثر من نصف كميات المتفجرات التي أتلفتها القوات العسكرية كانت من تلك التي رُفعت من المجمّعات السكنية وعاد أهلها إليها"، مشيراً إلى أن "المخلّفات الحربية وما يُجمع من بقايا داعش، يتم تفجيره بواسطة وحدات الهندسة العسكرية حصراً كونها المختصة بهذا الأمر".


وأوضح أن "تنظيم داعش نشر ألغامه في مناطق نينوى بشكل جنوني، في الأحياء والشوارع والمنازل"، مشيراً إلى أن "الكثير من عمليات تفكيك العبوات الناسفة كانت صعبة على القوات العراقية، لا سيما أن التنظيم استخدم حتى الأشجار والنخيل عبر حفر جذوعها وتعبئتها بالمواد المتفجرة، ما تسبّب بتأخر عمليات التطهير لغاية الآن في مناطق الموصل، ومع ذلك يمكن القول إن 80 في المائة من متفجرات داعش بمختلف أشكالها، تم رفعها من المناطق التي سيطر عليها التنظيم الإرهابي، وتدميرها". ولفت إلى أن "عمليات التفجير المسيطر عليها، تتم بشكل شبه يومي في مناطق الأنبار والموصل وصلاح الدين، بالإضافة إلى بغداد، وأن القوات العراقية لا تُصادر ما يمكن استخدامه من أسلحة داعش، من أسلحة وصواريخ، كون مصادرها مجهولة، بعضها تابعة لجيش النظام السوري ونُقلت إلى العراق من خلال مسلحي داعش، وبسبب الخوف من انفجارها على المقاتلين أثناء استخدامها، لذا فإن كل ما يتم العثور عليه يُفجر".

من جهته، قال عضو مجلس النواب العراقي يحيى المحمدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الألغام في المناطق التي شهدت احتلال تنظيم داعش، تسبّبت بخسائر بشرية كثيرة، فقد عمل التنظيم على تلغيم غالبية شوارع محافظة نينوى مثلاً، واستخدم في محافظة الأنبار الألغام بأعداد كبيرة جداً، وبأساليب ذكية، إذ عمد إلى استخدام الأدوات المنزلية وتفخيخها، كما تمكّن من صناعة متفجرات صغيرة الحجم، يمكن وضعها في الكتب والأطعمة". وأكد أن "جولات التطهير لقوات الهندسة العسكرية في المحافظات الشمالية والغربية تمكّنت من رفع أطنان من المتفجرات"، موضحاً أن "الجهود الهندسية للقوات الأمنية في الأنبار تعمل على خطة تطهيرية متكاملة، لكن الأعداد الكبيرة للألغام تحتاج إلى وقت".

أما الباحث في الشؤون البيئية علاء عبود، فرأى أن "الجهود العسكرية بما يتعلق بتفجير المخلفات الحربية، يجب أن تراعي الأمور الصحية والبيئية، لأن المناطق التي شهدت تفجيرات لمخلّفات حربية، تعاني حالياً من أمراض وتشوهات خلقية تتضح في الولادات الحديثة، لذلك، لا بد من مراعاة الابتعاد عن المناطق السكنية". وأوضح في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "بعض الأسلحة التي يتم تفجيرها للتخلّص منها، تحتوي على مواد كيميائية، ومن المفترض أن تتم عملية التفجير في مناطق نائية وبعيدة، ونحن بحاجة إلى صناعة رأي عام من أجل إصدار قرار من مجلس الأمن القومي أو الوطني، أو مجلس الوزراء، وتوجيه العناية خلال التفجير لظروف المواطنين ومتطلباتهم ومخاوفهم".

وعلى الرغم من تطهير المناطق العراقية من متفجرات "داعش" والألغام التي تسبّبت بمقتل مدنيين وعناصر أمنيين، وتفجير آلاف الأطنان من ذخيرة "داعش"، إلا أن أوضاع المدن المحررة ما زالت بائسة جراء الخراب الذي تعرضت له، مثل المدينة القديمة في الموصل التي ما زال أهلها يتخذون الخيام مساكن لهم، بعدما تدمرت منازلهم. والحال نفسه ينطبق على منطقة البعاج، فضلاً عن سنجار التي تخلّصت من تنظيم "داعش" الذي احتلها عام 2014 لتدخل صراعاً سياسياً وعسكرياً للسيطرة عليها، بين حزب "العمال الكردستاني" ومليشيات "الحشد الشعبي". وكذلك الوضع في بعض أحياء الحويجة التابعة لمحافظة كركوك، وأحياء أخرى في الرمادي، بالإضافة إلى عدم معرفة مصير مئات الآلاف من المختطفين من مناطق متفرقة وإيداعهم في بلدة جرف الصخر، من قبل مليشيات مقربة من طهران.