اغتيال علوش: محاولة روسية لتقوية النظام و"داعش" ونسف المفاوضات

27 ديسمبر 2015
استبعاد أن يؤدي الاغتيال لانقسامات بـ"جيش الإسلام"(عامر الموهباني/فرانس برس)
+ الخط -
تثبت روسيا، بعد كل عملية ترتكبها في سورية، بما في ذلك اغتيال قائد "جيش الإسلام" زهران علوش، أول من أمس الجمعة، أن حربها في سورية التي تنهي شهرها الثالث يوم الأربعاء المقبل، موجّهة حصراً ضد المعارضة والمدنيين، بينما تصبّ جميع عملياتها العسكرية في صالح النظام وتنظيم "داعش". 
وتسعى روسيا، عبر اغتيالها قائد الفصيل السوري المعارض الذي يعتبر من بين الأكبر في سورية والذي نجح في طرد "داعش" من محيط دمشق، لتحقيق أكثر من هدف سياسي وعسكري. فهي بذلك قدّمت خدمة للنظام السوري الذي يسعى لإفراغ محيط دمشق من أي تواجد للمعارضة المسلحة، كما خدمت تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بعدما كان "جيش الإسلام" من أبرز تشكيلات المعارضة التي قاتلت مسلحي "داعش"، ونجح في إنهاء تواجده بالغوطة الشرقية ومناطق قريبة منها، عبر جولات قتال عديدة. كما أن هذه العملية تُشكّل ضرباً للعملية السياسية والتفاوضية التي ادعى النظام السوري، ومن خلفه روسيا، بأنه مستعد للمشاركة فيها، لكنه يسعى في الوقت نفسه إلى إفشالها بشكل مبكر، إنْ عبر الشروط السياسية أو من خلال التصعيد العسكري. وفي السياق، أعلن "جيش الإسلام" الانسحاب من الهيئة العليا للتفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية، فيما وجّهت الأخيرة رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أعربت من خلالها عن غضبها من استمرار روسيا بقصف المناطق المعارضة بعد صدور القرار 2254 واستهداف قادة الفصائل وكان آخرها اغتيال علوش، كما علمت "العربي الجديد". 

ويبدو واضحاً أن عملية اغتيال علوش ومجموعة من معاونيه عبر غارات روسية استهدفت اجتماعاً لقيادة "جيش الإسلام" في بلدة أوتايا في غوطة دمشق الشرقية، هدفت موسكو من خلالها إلى استباق بدء المرحلة التفاوضية بين النظام السوري والمعارضة مطلع العام المقبل، بالعمل على تقوية موقف النظام عسكرياً وميدانياً، وخصوصاً في العاصمة دمشق ومحيطها، بما يجعله الطرف الأقوى في المفاوضات. كما هدفت إلى إضعاف الروح المعنوية لـ"جيش الإسلام" الذي يعد نحو خمسة عشر ألف مقاتل، تُشكل القوة الأساسية الضاربة في محيط دمشق، وذلك تمهيداً لتكثيف قصف النظام على المنطقة ومحاولة إحراز تقدّم على حساب المعارضة، وذلك بعد فشله المتواصل والذي كان آخر فصوله الفشل على جبهة المرج. لكن "جيش الإسلام" لم يتأخر في تأكيد مواصلة معركته ضد النظام و"داعش" على الرغم من اغتيال علوش. ففي موازاة المسارعة إلى اختيار أبو همام عصام خالد بويضاني، خلفاً لعلوش كقائد لـ"جيش الإسلام"، أعلن أمس السبت، عن استئناف معاركه في حي جوبر وريف دمشق، في معارك من شأنها أن تعرقل خطط النظام وروسيا.

وجاءت عملية الاغتيال بالتزامن مع صفقة عقدها النظام ومن خلفه الروس مع "داعش"، تقوم على نقل مقاتلي التنظيم من جنوب دمشق إلى شرق البلاد، تحت أعين الروس الذين جاؤوا بذريعة محاربة التنظيم. وتمكّن النظام من عقد صفقات عدة مع الفصائل العسكرية في محيط دمشق، نتجت عنها عدة هدن في الزبداني ومضايا، ووصل الأمر به إلى توقيع اتفاق مع تنظيم "داعش" تضمّن نقل مقاتلي التنظيم وعائلاتهم من منطقة الحجر الأسود ومخيم اليرموك إلى الرقة، معقل التنظيم، وتسليم سلاحهم الثقيل لجيش النظام السوري، وبوساطة روسية. لكن هذه الصفقة باتت معلّقة، إذ أفادت مصادر محلية تحدثت لـ"العربي الجديد"، بأن الاتفاق لم يطبّق حتى اليوم، مشيرة إلى أن مقاتلي "داعش" ما زالوا متمركزين في مواقعهم، وقد وقعت اشتباكات بينهم وبين "أبابيل حوارن"، يوم أمس الأول الجمعة، في حي التضامن. وقالت المصادر إن "التأخير يعود لأسباب عدم اكتمال التحضيرات اللوجستية، حيث يحاول التنظيم الخروج عبر دفعات متلاحقة في يوم واحد، تبدأ بخروج الجرحى والعائلات، ومن ثم المقاتلين"، مبيّنة أن "التنظيم سيقوم بتدمير سلاحه الثقيل والمتوسط قبل خروجه، بحسب مصادر من داخل التنظيم نفت تسليمها إلى النظام أو جبهة النصرة". كما كان النظام قد عمل على تشديد الحصار على بعض المناطق وإجبارها على توقيع هدن أو من خلال تكثيف القصف الروسي لتلك المناطق وتشكيل غطاء جوي لقوات النظام من أجل تحقيق تقدّم ميداني والسيطرة المباشرة على بعض المناطق.

اقرأ أيضاً: روسيا تصفّي زهران علوش تمهيداً للقضاء على المعارضة السورية

وبانتظار اتضاح مصير الصفقة بين "داعش" والنظام التي تأتي في سياق مخطط النظام وروسيا لإفراغ محيط دمشق من المعارضة، كان لافتاً تنفيذ عدة عمليات اغتيال بحق قادة الفصائل العسكرية المعارضة، أهمها إضافة إلى اغتيال علوش برفقة عدد من ضباط جيشه، اغتيال قائد المجلس العسكري في مدينة قدسيا (التي وقّعت هدنة منذ فترة قصيرة مع النظام) حمدي مستو، الملقب أبو زيد، برصاص مجهولين، أمس السبت. كما قتل أمس أيضاً، قائد الكتيبة الموحّدة في "لواء شهداء الإسلام" في مدينة داريا أبو سلمو، مع ثلاثة من رفاقه في "الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" على جبهات القتال. 
ولا يمكن فصل هذه الاغتيالات عن المساعي لتفتيت المعارضة في محيط دمشق، وهو ما يجعل مراقبين يتابعون عن كثب تطورات الأوضاع داخل "جيش الإسلام"، يعتبرونه أبرز الفصائل التي قاتلت "داعش" والنظام في آن معاً. وكان الأبرز بين تشكيلات المعارضة السورية، في عدم وقوفه على الحياد من "داعش" منذ بدايات ظهور التنظيم، وأنهى وجوده في الغوطة الشرقية، ومناطق متاخمة لها، خصوصاً في حيي برزة والقابون (شمال شرق دمشق)، كما شن ضده معارك في مناطق القلمون الشرقي.

ويرى مراقبون أن علوش كان يتمتع بشخصية قيادية ودهاء مكّناه من استجلاب دعم متعدد المصادر لـ"جيش الإسلام"، وتنظيم فصيله بطريقة جعلته من أكثر فصائل المعارضة تنظيماً وانضباطاً ومن أقلها اختراقاً من قِبل الجهات المعادية، الأمر الذي يجعل من رحيله حدثاً بالغ الأهمية بالنسبة لـ"جيش الإسلام".
وزهران علوش من مواليد مدينة دوما، أكبر مدن غوطة دمشق الشرقية، ولد عام 1971، وهو خريج كلية الشريعة في دمشق، وسجن في سجن صيدنايا بريف دمشق بسبب عقيدته السلفية، وخرج منه أواخر عام 2011، ليؤسس فصيلاً مقاتلاً تحت اسم "لواء الإسلام"، ضمّ إليه لاحقاً فصائل أخرى ليشكّل "جيش الإسلام".

وعلى الرغم من الدور البارز الذي كان يؤديه علوش، إلا أن مصدراً عسكرياً مطلعاً من الغوطة الشرقية يستبعد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن يؤدي رحيل علوش إلى انقسامات ضمن "جيش الإسلام" أو إلى إضعاف الروح المعنوية لمقاتليه، مبيّناً أن الموضوع سيكون على العكس تماماً، متوقعاً أن يتخذ "جيش الإسلام" خطوات تصعيدية ضد النظام، خصوصاً بعدما أعلن انسحابه من العملية التفاوضية مع النظام واستنئاف معاركه ضد النظام و"داعش". وأعلن "جيش الإسلام"، في رسالة، أمس السبت، أن مقاتليه شنوا هجوماً على موقعٍ للنظام في حي جوبر، وتمكنوا من "تكبيد مليشيات الأسد خسائر فادحة". كما أعلن أن مقاتليه واصلوا مواجهاتهم مع "داعش"، قائلاً إن "قتلى لتنظيم داعش سقطوا في منطقة الضبعة بالقلمون الشرقي".

وبعد مقتل علوش، عيّن مجلس قيادة "جيش الإسلام" أبو همام عصام خالد بويضاني، خلفاً لعلوش كقائد لـ"جيش الإسلام". والأخير من مواليد عام 1975 من مدينة دوما، مسقط رأس علوش، وهو من عائلة معروفة فيها، يحمل إجازة جامعية في إدارة الأعمال، وتلقى تعليماً شرعياً على يد عدد من مشايخ دوما ودمشق، كما أنه سافر إلى عدة دول عربية وغربية، قبل أن يعود إلى مدينته ويشارك علوش في تأسيس "سرية الإسلام" عام 2011.

وتقلّد بويضاني العديد من المناصب القيادية في "جيش الإسلام"، منها منصب "قائد ألوية ريف دمشق"، ومن ثم عُيّن كـ"قائد عمليات ريف دمشق"، وشغل منصب قائد لألوية جيش الإسلام في سورية، ثم عيّن رئيساً لـ"هيئات جيش الإسلام". وتفيد تقارير إعلامية بأنه مطلوب لاستخبارات النظام السوري منذ العام 2009، وهو من الشخصيات القوية والتوافقية التي قد تساعد في التخفيف من وطأة العملية الروسية على "جيش الإسلام".

اقرأ أيضاً: سلسلة معارك لـ"جيش الإسلام" قلّصت تواجد "داعش" قرب دمشق

المساهمون