تونس: معركة حاسمة من أجل استقلال القضاء

13 مايو 2015
كان القضاء منذ الاستقلال خاضعاً للإرادة السياسية(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
يعيش القضاة التونسيون، هذه الأيام، معركتهم الحاسمة لتجسيد استقلالية سلطتهم التي ضمنها الدستور الجديد. وللوصول إلى هذا الهدف قررت جمعية القضاة التونسيين دعوة المنتسبين إليها إلى تنفيذ إضراب عن العمل بدأ، يوم الاثنين الماضي، على أن يستمر خمسة أيام. ويهدف الإضراب، الذي لم تلتحق به نقابة القضاة، إلى ممارسة أقصى درجات الضغط على البرلمان المُطالب بمناقشة مشروع القانون الخاص بالمجلس الأعلى للقضاء، في أجل لا يتجاوز تاريخ 15 مايو/ أيار الحالي.

قرار جمعية القضاة، أتى رداً منها على التغييرات التي أدخلت على المشروع الذي تمت إحالته إلى لجنة التشريع العام في مجلس نواب الشعب، واعتبرتها "انحرافاً خطيراً على المضامين الدستورية في باب السلطة القضائية". كما حذرت الجمعية أعضاء السلطة التشريعية من "تداعيات سنّ قانون يعيد تكريس المنظومة القضائية السابقة"، ومن رفض القضاة لمجلس أعلى للقضاء "منقوص الصلاحيات، فاقد لأي دور في ضمان حسن سير القضاء واحترام استقلاله".
وكان القضاء، منذ الاستقلال، خاضعاً للإرادة السياسية. وقد تم إخضاع هذه السلطة عبر ثلاث أدوات رئيسية. أولها عبر إعطاء رئيس الدولة صلاحيات واسعة تسمح له بالتدخل في الشأن القضائي، إذ يترأس المجلس الأعلى للقضاء على الرغم من أنه في الآن نفسه رئيس السلطة التنفيذية. وثاني هذه الأدوات تمثل في تمكين وزير العدل من التحكم في القضاة عبر أجهزته الإدارية وسلطته السياسية المفوضة من قبل رئيس الجمهورية. وأخيراً، نجحت الأجهزة الأمنية من رصد القضاة الأكثر فساداً، والذين تحولوا إلى سوط في يد رئيس الدولة والحزب الحاكم يجلدون به خصومهم من مختلف الأوساط بالزج بهم في السجون من خلال محاكمات سياسية صورية.

اقرأ أيضاً: استقلال القضاء التونسي واستمراريته مهددان

لم يشعر القضاة التونسيون، أنّ أمامهم فرصة لبناء سلطة مستقلة إلا بعد الثورة ومغادرة الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي الحكم، وخصوصاً بعدما انطلق الصراع من أجل إعادة بناء التوازنات السياسية والمؤسساتية وغيرها.
لقد تمرد القضاة كغيرهم على قوالب المنظومة القديمة، وارتفعت أصواتهم إلى درجة الاصطدام بالسياسيين وبغيرهم كلما أحسوا بأن هناك أطرافاً تريد أن تحجّم دورهم من جديد، أو أن تحد من تطلعاتهم في التحول إلى سلطة مستقلة عن جميع السلطات الأخرى. وهو ما عبر عنه بعضهم بضرورة التصدي لـ"حكم القضاة ". هذه العبارة استعملها نواب حركة النهضة، سابقاً، في المجلس الوطني التأسيسي. كذلك اعترضت رئيسة لجنة التشريع العام في مجلس نواب الشعب، سناء مرسني، أول من أمس، على احتجاجات القضاة بالقول إنه ''لا يمكن أن نعطي مجلس القضاء أكثر مما منحه الدستور".
ومهما كانت التعديلات التي يتم إدخالها على المشروع، فإن مؤسسة القضاء ستخرج من هذه المعركة أقوى مما كانت عليه قبل الثورة. إذ لأول مرة ستجري انتخابات المجلس الأعلى للقضاء تحت إشراف الهيئة المستقلة للانتخابات التي ستعمل على حماية النزاهة والشفافية، وبعيداً عن أي شكل من أشكال وصاية رئيس الجمهورية أو تدخل الحكومة أو وزير العدل. كما أن المجلس الأعلى للقضاء سيكون هيئة قوية وفاعلة.

ويأتي ذلك بالتزامن مع انتقال الخلاف مع القضاة من صراع مصالح سواء كان صامتاً أو معلناً عنه، بينهم وبين ممثلي السلطة التنفيذية، إن في عهد الحبيب بورقيبة أو بن علي، إلى صراع بين القضاة وبين المحامين الذين يرفضون أن يهيمن القضاة على المجلس الأعلى للقضاء، ويعتبرون أنفسهم جزءاً لا يتجزأ من المؤسسة القضائية. أي أن الخلاف الدائر توسعت حلقاته ليرتكز، حالياً، على تباين واضح في المصالح بين القضاة والمحامين.
أما المعضلة الثانية التي ستبقى مطروحة لفترة تحتاج إلى وقت إضافي قبل إنجازها، فتتعلق باستكمال مسار إصلاح القضاء. فالحديث عن الفساد داخل المؤسسة القضائية لا يزال متواصلاً. وإذ تعتبر المصادقة على قانون المجلس الأعلى للقضاء إنجازاً تاريخياً، فضلاً عن أن انتخاب أعضاء هذا المجلس سيشكل خطوة أخرى نوعية في مسيرة القضاء التونسي، إلا أن محاربة الفساد داخل أوساط القضاة وتحسين أداء بعضهم، والتسريع في نسق البتّ في الشكاوى والنزاعات بمختلف أشكالها كلها شروط ضرورية لتفعيل دور القضاء واكتساب ثقة المواطنين في هذه المؤسسة الحيوية التي بدونها لا تتحقق دولة القانون، ولا تتجسد على الأرض المساواة الفعلية بين المواطنين.
في أقل من أسبوع، يفترض أن التسوية النهائية بين الأطراف الفاعلة والأساسية ستتحقق، وعندها يصبح من الممكن الحديث عن تغير نوعي في علاقات السلطة التشريعية والتنفيذية بالسلطة القضائية في تونس. وإذا ما تحقق هذا التوافق تكون تونس قد حققت إنجازاً جديداً من شأنه أن يعزز من بنية النظام السياسي الجديد القائم على الديمقراطية وسلطة القانون.

اقرا أيضاً تونس: الحريات والحقوق في مهبّ "مكافحة الإرهاب" اليوم

دلالات
المساهمون